صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الاثنين، 12 ديسمبر 2022

{2و3.} أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات 


2. الفصل الثاني : قصيدة الشاطبية 

وفيه عدة مباحث : 

المبحث الأول : أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات  

المبحث الثاني : صفاتها ومزاياها . 

المبحث الثالث : الكتب التي شرحت القصيدة الشاطبية  

الفصل الثاني

 

قصيدة الشاطبية

 

وفيه عدة مباحث :

 

المبحث الأول : أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات :

 

تُعَدُّ قصيدة الشاطبية المسماة بـ ( حرز الأماني ووجه التهاني ) من أهم وأبدع ما أُلِّف في علم القراءات حيث نظم فيها كتاب التيسير لأبي عمرو الداني([1]) فكانت قوية متينةً ، اشتهرت في الآفاق والبلدان ، وطارت بها الركبان ، وأثنى عليها علماء القراءات وغيرهم .

 

قال الإمام أبو شامة([2]) : (( ثم إن الله تعالى سهَّل هذا العلم على طالبيه بما نظمه الشيخ الإمام العالم الزاهد أبو القاسم الشاطبي رحمه الله من قصيدته المشهورة المعروفة بحرز الأماني التي نبغت في آخر الدهر أعجوبة لأهل العصر ، فنبذ الناس من مصنفات القراءات ، وأقبلوا عليها لما حَوَتْ من ضبط المشكلات ، وتقيد المهملات مع صغر الحجم وكثرة العلم )) .

 

قال الإمام الذهبي([3]) : (( وقد سارت الركبان بقصيدته ( حرز الأماني ) ، وحفظها خلق لا يحصون ، وخضع لها فحول الشعراء وكبار البلغاء وحذاق القراء فلقد أبدع وأوجز وسهَّل الصعب )) .

 

وقال الإمام ابن الجزري في وصف القصيدة الشاطبية([4]) : (( ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول مالا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن ، بل أكاد أقول : ولا في غير هذا الفن ، فإني لا أحسب أنَّ بلداً من بلاد الإسلام تخلو منه ، بل ولا أظن أنَّ بيت طالبِ علم يخلو من نسخة منه ، ولقد تنافس الناس فيه  ورغبوا في اقتناء النسخ الصحاح حتى إنه كان عندي نسخة جامعة للقصيدة اللامعة بخط السخاوي فأعطيت وزنها فضة ثمنا لها فلم أقبل )) .

 

قال في مرآة الجنان([5]) :  (( نظم القصيدتين اللتين سارت بهما الركبان وخضعت لبراعة نظمها فحول الشعراء وأئمة القراء والبلغاء )) .

 

وقد مدحها زكي الدين بن سفيان فقال([6]) :

 

لله درُّ الشَّاطبي الذي

قصيدةٌ جَلَّت عن الشِّعر بل

(( حِرز الأماني )) أحرزت للمنى

يقول من ذاق جنا شهدها:

أعجوبةٌ تُعْجِبُ كلَّ الورى

تكاد تُعدُّ له آية

فـلو  يـشــاء   مُبْتَـكِـرٌ  مـثـلـهــا

 

 

 

 

 

أهدى لنا الدُّرَ بنظمٍ غَلا

عروسُ حُسْنٍ قد غَدَت تُجْتَلا

وجه التهاني فاهنها مُتَقَبَّلا

لله ما أعذبَ ما أنهلا

لكنها تُعْجِزُ كُلَّ المَلا

تُعْجِزُ مَنْ قد رام أو مَثَّلا

قـالـت   قَوافـيـهـا   الـكـــلُّ : لا

 

 

 

قلت : ومن بركة إخلاص مؤلفها عموم النفع والشهرة التي طارت في الأفاق ، فكل طالب علم من عصر مؤلفها إلى يومنا هذا إذا أراد تعلم القراءات فأول ما يبدأ به هو حفظ القصيدة الشاطبية .

 

ولقد أصبحت من المراجع الأساسية حتى إنها تدرس في جامعات العالم الإسلامي إذ  إنها حوت القراءات السبعة المتواترة بأسلوب جميل .

 

وكان طالب العلم إذا أراد تعلم القراءات  يحفظ كتاباً من كتب القراءات كالتيسير وغيره ، فجاء الإمام الشاطبي وفتح  هذا العلم بنظمه البديع حتى سهَّل العلم على طالبيه .

 

لذلك تنافس الطلاب على مرِّ العصور بحفظها والوقوف على معانيها ، وغدت من أمهات المتون .

 

المبحث الثاني : صفاتها ومزاياها:

 

إنَّ قصيدة الشاطبية غزيرة المادة العلمية ، جزلة في العبارة ، مشرقة في بلاغتها وبيانها ، حلوة في عبارتها ، عميقة في أفكارها ، بليغة في جملها قد نُظمت على البحر الطويل ، وكانت لامية القافية ، وقد نظم أولها في شاطبة في الأندلس([7]) إلى قوله :

 

جَعَلْتُ أبَا  جَادٍ  عَلَى كُلِّ  قَارِئٍ      دَلِيلاً  عَـلَى  المنْظُــــومِ  أَوَّلَ  أَوَّلا

 

ثم بعد ذلك رحل إلى مصر وأكمل نظم القصيدة فيها ، ويلاحظ فيها براعة الإمام الشاطبي ، وسهولة النظم ، واختيار الألفاظ العذبة، وألبسها ثوباً أدبياً جميلاً متواضعاً، فقال :

 

وألْـفَـافُهَا   زَادَتْ  بنَشْـرِ  فَـوَائـدٍ        فَلَفَّتْ   حَيَاءً  وجْهَهَا  أَنْ  تُفَضَّلا

 

ويلاحظ عليها إخلاص مؤلفها وخوفه من الله U فقال :

 

ونَادَيْتُ اللَّهُـمَّ  يَاخيَـْـرَ سَـــامِـعٍ          أَعِذْنِي مِن التَّسْمِيعِ قَوْلاً  وَمِفْعَلا

 

أخِي  أَيُّهَا  المُجْتَازُ  نَظْمِي  بِبِابِه           يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوقِ  أَجْمِلا

 

ويلاحظ فيها غيرته على كتاب الله وعلى القراءات ورده على النحاة الذين جعلوا النحو ميزانا يَزِنُون القراءات فإذا خالفت قراءة قارئٍ قاعدةً في النحو عندهم طعنوا في هذه القراءة وضعَّفوها فقال :

 

. . . . . . . . . . . . فلا تلم          مِنْ   مُلِيمي  النَّحْوِ  إِلا  مُجَهِّـــلا

 

وبالجملة فإن القصيدة تحتوي على علوم كثيرة في القراءات والنحو والبلاغة  والأدب والأخلاق وإليك بعضاً من ذلك :

 

وَفِي الفَجْرِ بِالوَادِي  دَنَا  جَرَيَانُهُ      وَفِي الوَقْفِ  بِالوَجْهَينِ  وَافَقَ  قُنْبُــلا

 

وَحَيْثُ أَتَاكَ القُدْسِ إِسْكَانُ دَالِـهِ      دَوَاءٌ   وَلِلبَـاقِينَ   بِالضَّــمِّ  أُرْسِــــلا

 

وَنَقْلُ  قُـرَانٍ  وَالقُــرَانِ دَوَاؤُنَــا      وَفِي   تُكْمِلُوا قُلْ شُعْبَةُ  المِيمَ  ثَقَّــــلا

 

انظر إلى هذه الأبيات كيف جمع القراءات فيها بإسلوب جميلٍ بديع ، فقال : ( بالوادي دنا جريانه ) حيث ذكر جريان الوادي ليأتي برمز ابن كثير وهو ( د ) من ( دنا ) ، وفي البيت الثاني أتى بكلمة القدس بإسكان الدال وهي قراءة ابن كثيرٍ ، وأتى برمزه وهو الدال من ( دواء ) ، وكذلك كلمة ( قرآن والقرآن ) في القرآن كله حيث قرأها ابن كثير بنقل الهمزة ، وأتى بكلمة ( دواؤنا ) ليأخذ حرف الدال وهو رمز ابن كثير ، وأتى بكلمة دواؤنا من الدواء وهو العلاج ، ليبين أن القرآن دواء القلوب .

 

وبالجملة فإن القصيدة لو نظر وتأمل فيها أحد لاستخرج منها كنوزاً وفنوناً  عديدة ، فقد روى السخاوي عن شيخه الشاطبي أنه قال([8]) : (( لو كان في أصحابي خيرٌ أو بركة لاستنبطوا من قصيدتي هذه مالم يخطر ببالي )) .

 

وقال أبو شامة في شرحه على الشاطبية([9]) : رأيت الشيخ الشاطبي في المنام ، وقلت له : ياسيدي حكى لنا عنك الشيخ أبو الحسن السخاوي أنك قلت : كيت وكيت ، فقال : صدق .

 

المبحث الثالث : الكتب التي شرحت القصيدة الشاطبية

 

لقد حظيت القصيدة الشاطبية بعنايةٍ كبيرة من علماء وأئمة القراءات ، وتسابق العلماء لشرحها وبيان غموضها وتسهيل معانيها ، وإليك أهمَّ هذه الشروح :

 

1- ((فتح الوصيد في شرح القصيد)) للإمام السخاوي وهو الكتاب الذي بين يديك، وسأتكلم عن أهمية هذا الشرح عند دراسة الإمام السخاوي .

 

2- وشرحها المنتخب ابن أبي العز رشيد الهمَذاني المقرئ النحوي([10]) توفي سنة (643هـ ) ، قال أبوشامة : وانتفع في معرفة قصيدة الشاطبي ، ثم تعاطى شرحها فخاض ، ثم عجز عن سباحته وجحد حقِّ تعليم شيخنا له وإفادته .

 

3- وشرحها العلامة أبو عبدالله محمد بن حسن بن محمد الغزالي الفاسي المقرئ توفي سنة ( 656هـ ) ، وسماه : (( اللآلئ في شرح القصيدة ))([11])، قال الذهبي: وشرحه في غاية الحسن .اهـ ، وهو لايزال مخطوطاً .

 

4- الإمام عبدالرحمن بن أبي القاسم الأزدي التونسي توفي سنة ( 626هـ ) ، وهو ممن قرأ على الإمام الشاطبي ، وقد شرح الشاطبية .

 

5- وشرحها الإمام أو عبدالله محمد بن أحمد المعروف بـ (( شعلة )) وسماه (( كنز المعاني ))([12]) توفي سنة ( 656هـ) وهو مطبوع .

 

6- وشرحها الإمام المقرئ عبدالرحمن بن إسماعيل أبوشامة الدمشقي الشافعي المتوفى سنة ( 665 هـ ) وسماه : (( إبراز المعاني )) وهو مطبوع([13])  .

 

7- وشرحها العلامة المحقق إبراهيم بن عمر الجعبري ، وسمى شرحه (( كنز المعاني في شرح حرز الأماني ))([14]) ، وهو لايزال مخطوطاً .

 

8- وشرحها ابن سمين الحلبي وسماه : (( العقد النضيد في شرح القصيد )) وهو لايزال مخطوطاً .

 

9- وشرحها علي بن عثمان المشهور بابن القاصح ، توفي سنة ( 801 هـ ) وهو شرح مطبوع([15]) .

 

10- ومن القراء المعاصرين العلامة المقرئ الشيخ عبدالفتاح القاضي المتوفى سنة ( 1403 هـ) ، وهو كتاب مطبوع سهل العبارة ، جمُّ الفائدة ، غزير العلم .

 

هذه أهم الكتب التي شرحت القصيدة الشاطبية فيما وقفت عليها .

 

 

 

 

الباب الثاني

 

وفيه فصلان :

 

الفصل الأول : دراسة عن شارح القصيد الإمام السخاوي وفيه عدة مباحث :

 

1ـ المبحث الأول : عصره من الناحية السياسية والعلمية .

 

2- المبحث الثاني : ولادته اسمه وكنيته ، شهرته ، صفاته .

 

3ـ المبحث الثالث : من يلقب بالسخاوي غير المؤلف .

 

4 - المبحث الرابع : رحلاته وذكر شيوخه وترجمة أشهرهم .

 

5ـ المبحث الخامس : شهرته وثناء العلماء عليه .

 

6ـ المبحث السادس : تلامذته وترجمة أشهرهم .

 

7- المبحث السابع : آثاره ووفاته.

 

 

 

 

الفصل الأول

 

الإمام السخاوي

 

المبحث الأول : عصره من الناحية السياسية والعلمية .

 

ولد الإمام السخاوي في سنة ( 558 هـ ) وتوفي سنة ( 643 هـ ) ، وماذكرته في عصر الإمام الشاطبي يجري على عصرالإمام السخاوي لأنهما متقاربان ، ولكن سأتحدث عن الناحيتين السياسية والعلمية بعد وفاة شيخه الإمام الشاطبي أي : بعد سنة (590 ) .  حيث كان عمر الإمام السخاوي اثنين وثلاثين عاماً .

 

توفي الملك صلاح الدين الأيوبي ، وخلفه في الحكم أولاده وقد تقاسموا البلاد فيما بينهم وحصل نزاع وحروب طويلة ، وعادت الأمة إلى كبوتها وغفلتها ، وساد الفوضى وانتشر الفساد في الحكم ، وغدت الخلافة العباسية رمزاً من غير تأثير في قلوب الناس .

 

في سنة ( 616 هـ ) ظهر جنكيزخان بجيوشه الزاحفة حيث عبر نهر جيحون ، فخربوا البلاد وأثاروا الفساد ، وملكوا خلال سنةٍ واحدة سائر بلاد المسلمين ماعدا العراق والشام ومصر فخاف الناس ، وقنتوا في الصلوات والأوراد .

 

بقيت الحركة العلمية قويةً ، فكان هناك علماء مثل : الحافظ تقي الدين ابن الصلاح ، والإمام الشيخ الحافظ عبد الغني العماد الحنبلي ، والإمام ابن تيمية ، والعز بن عبدالسلام  .

 

كان حاكم دمشق الأشرف أبو الفتح موسى بن العدل بن أيوب([16]).

 

المبحث الثاني :ولادته  اسمه وكنيته ، شهرته .صفاته.

 

هو الإمام علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد بن غالب ، علم الدين ، أبو الحسن الهمْداني السَّخَاوي ، المقرئ  المفسِّر النَّحْوي([17]) ، شيخ القراء بدمشق في زمانه .

 

ولد سنة ثمانٍ أوتسع وخمسين وخمس مائة ( بسخا ) ونُسِبَ الإمامُ السَّخَاوي إلى ( سخا ) وهي مدينة في مصر ، قال ياقوت الحموي([18]) :  سخا : كورة بمصر وقصبتها سخا بأسفل مصر ، وهي الآن قصبة كورة الغربية ، ودار الوالي بها ، وهي من فتوح خارجة بن حنظلة بولاية عمرو بن العاص حين فتح مصر أيام عمر t اهـ.

 

قلت : والنسبة إلى ( سخا ) سَخَوِي لأن القاعدة : أنَّ الاسم إذا كانت فيه الألف الأصلية ثالثةً قلبت واواً كعَصاً وعَصَوِيٍّ ، وفَتَىً وفَتَوِيٍّ ، فتصبح النسبة في سَخَا سَخَوي  قال ابن مالك :

 

لشبهها المُلْحِق ، والأصليِّ ما       لها ؛ وللأصليٍّ قَلبٌ  يُعْتَمِي

 

قال ابن عقيل([19]) عند هذا الموضع : إنَّ ألف الإلحاق المقصورة كألف التأنيث في وجوب الحذف إن كانت خامسةً كَحَبَرْكي ، وحَبَرْكيٍّ .

 

وأما الألف الأصلية ؛ فإن كانت ثالثةً قُلِبَت واواً كعَصَاً وعَصَوِيٍّ .

 

وأما هذه النسبة وهي السخاوي فهي من قبيل إطلاق الناس عليه ، ويطلق عليه من شواذ النسب .

 

كان مبدؤه الاشتغال بالفقه على مذهب الإمام مالك بمصر ، ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي ، وسكن بمسجدٍ بالقرافة يؤمُّ فيه مدة طويلةً ، ولما قدم الإمام الشاطبي بلاد مصر لازمه ، وأخذ عنه الشاطبية حيث قرأ عليه الشاطبية أكثر من مرةٍ ، قال في شرحه فتح القصيد([20]) : (( والآن أبدأ بشرح حرز الأماني مستعيناً بالله ، وهو خير مُعين .

 

قال رحمه الله ، وقرأتها عليه غير مرةٍ عارضاً ومقيداً )) ، وبعد أن أتم القراءة رحل إلى دمشق مع الأمير موسك بن جكو([21]) ابن خال الملك صلاح الدين الأيوبي ، حيث كان يعلم   أولاده ، ثم استوطن دمشق إلى أن مات .

 

صفاته :

 

قال الإمام ابن الجزري([22]) : (( كان إماماً علامةً مقرئاً محققاً بصيراً بالقراءات وعللها ، إماماً في النحو واللغة والتفسير ، عالماً بالفقه وأصوله ، طويل الباع في  الأدب ، مع التواضع والدين والمودة وحسن الأخلاق ، من أفراد العالم وأذكياء بني آدم ، مليح المجاورة ، حلو النادرة ، حاد القريحة ، مطرح التكليف ، وافر الحرمة ، كبير القدر ، محبباً إلى الناس ، ليس له شغلٌ إلا العلم والإفادة )) .

 

ولما جاء إلى دمشق وقرأ على علمائها لمع نجمه وعلا صيته ، وأقبل الناس إليه يقرؤون ، فصارت له حلقة بجامع دمشق ، ثم ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح ، وبها كان مسكنه .

 

وقد وصفه القاضي ابن خلكان قائلاً([23]) : (( رأيته مراراً راكباً بهيمةً إلى الجبل - جبل قاسيون بدمشق - وحوله اثنان وثلاثة يقرؤون عليه دفعةً واحدة في أماكن من القرآن مختلفة وهو يرد على الجميع )) .

 

وقد أنكر الإمام الذهبي هذا العمل عندما ترجم للإمام السخاوي ، فقال([24]) : ما أعلم أحداً من المقرئيين ترخَّص في إقراء اثنين فصاعداً إلا الشيخ علم الدين ، وفي النفس من صحة تحمل الرواية على هذا الفعل شيءٌ فإنَّ الله ماجعل لرجلٍ من قلبين في جوفه .

 

ولا ريب في أنَّ ذلك أيضاً خلاف السنة ، لأنَّ الله تعالى يقول: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا }([25]) ، وإذا كان هذا يقرأ في سورة ، وهذا في سورة ، وهذا في  سورة  في آنٍ واحدٍ ، ففيه مفاسد :

 

أحدها : زوال بهجة القرآن عند السامعين .

 

وثانيها : أن كل واحدٍ يشوش على الآخر ، مع كونه مأموراً بالإنصات .

 

وقد دافع الإمام ابن الجزري عن فعل الإمام السخاوي ، وردَّ على قول الإمام الذهبي فقال([26]) : في النفس شيء ، ألم يسمع وهو يرد على الجميع مع أنَّ السخاوي لانشك في ولايته .

 

قلت : لا يمنع أن يكون دقة الشيخ وقوة حفظه وضبطه من السماع لاثنين أثناء القراءة ، ولكن الأفضل أن يقرأ التلاميذ عليه واحداً واحداً فإنه أكثر ضبطاً لكتاب الله .

 

المبحث الثالث : من يلقب بالسخاوي غير المؤلف .

 

أحببت أن أبين للقراء من لُقِّبَ بالسخاوي من العلماء الذين وقفت عليهم في كتب التراجم وذلك خوف اشتباه الأسماء .

 

1- الأديب أبو الفتح بن عبدالرحمن بن علوي السخاوي الحنفي([27])  ( ت 629 هـ ) ، فقيه أديب ، شاعر خطيب ، توفي بدمشق ، ومن مؤلفاته : الإيضاح ، التجريد ، وكلها في الفقه .

 

2- عز الدين محمد بن أبي الكرم الحنفي([28]) ، وكان قاضياً توفي سنة ( 646هـ )

 

3- محمد بن الحسن بن علي السخاوي([29]) ، من آثاره الثغر الباسم في صناعة الكاتب . بقي حياً إلى ( 846هـ) .

 

4- علي بن إسماعيل اليمني السخاوي([30]) ، شاعر من آثاره ديوان شعر .

 

5- محمد السخاوي القاضي بن أحمد بن موسى السخاوي المدني([31]) ، من القضاة ، ولي قضاء المدينة ثلاثين سنة .

 

6- محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي([32]) ، مؤرخ . وهو من تلامذة الإمام ابن حجر العسقلاني . توفي بالمدينة سنة ( 902 هـ ) .

 

قلت : وقد اشتهر بالسخاوي اثنان وهما : الإمام علم الدين علي بن محمد السخاوي صاحب هذه الرسالة ، والسخاوي المؤرخ والمحدث محمد بن أبي بكر السخاوي .

 

المبحث الرابع : رحلاته وذكر شيوخه وترجمة أشهرهم .

 

رحل إلى مصر ولازم الإمام الشاطبي ، وأخذ عنه القراءات ، وروى عنه قصيدته بعد أن أجازه بها ، وكانت إجازته في آخر شعبان سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة ، وكان عمر الإمام السخاوي سبعةً وعشرين عاماً ، يقول الإمام الشاطبي في نصِّ الإجازة([33]) :

 

(( بسم الله الرحمن الرحيم : يقول أبو القاسم بن فيرُّه بن أبي القاسم بن أحمد الرُّعيني ثم الشاطبي : إنَّ صاحبه أبا الحسن علي ابن الشيخ الصالح أبي عبدالله محمد بن عبد الصمد السخاوي عرض عليه قصيدته التي عملها في مذاهب الأئمة الأمصار . وقد أذنت لصاحبنا المذكور أن يرويها عني ويُرَوِّيها من أحب لمن أحب ثقةً بعلمه لها وفهمه فيها على حسن ما أخذته عليه ، والله تعالى يجعل ذلك كله وُصلةً إلى ما يحبه ويرضاه ، ويعين جميعنا على ما يقرب في دنياه وأخراه ، ويجعلنا ممن يغبط في حمل العلم ونشر مَراحه ومغداه ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وكتب أبو القاسم المذكور في آخر شعبان الذي من سنة أربعٍ وثمانين وخمسمائة )) .

 

قلت : ويعد الإمام السخاوي أقرب تلميذٍ لشيخه الإمام الشاطبي ، بل خليفته من بعده .

 

رحل إلى الإسكندرية ، وأخذ عن الإمام المحدث أبي طاهر السلفي ، ثم رحل إلى الشام واستقر فيها إلى حين وفاته فالتقى بالشام بشيخ قرائها بتاج الدين الكِنْدِي المقرئ النحوي فقرأ عليه .

 

ذكر شيوخه وترجمة أشهرهم :

 

1- الإمام أو القاسم الشاطبي الذي أخذ عنه قصيدته اللامية .

 

2- الإمام المحدث أبو طاهر السلفي الذي انفرد بعلوِّ الإسناد في عصر في الحديث ، وقد روى عنه الحديث وعلومه .

 

3 - زيد بن الحسن تاج الدين أبو اليُمن الكندي البغدادي المقرئ ، النحوي الحنفي([34]) ، شيخ القراء والنحاة بدمشق .

 

عُمِّر طويلاً ، وانفرد في الدنيا بعلو الإسناد في القراءات، وانتهى إليه أيضاً علو الإسناد في الحديث ، وقد مدحه الإمام السخاوي بقوله :

 

لم يكن في عصر عمرو  مثله        وكذا الكندي في آخر عصر

 

فهما  زيدٌ   وعـمـرو   إنما          بُنِيَ النحو على زيدٍ  وعمرو([35])

 

توفي سنة ( 613 هـ ) ، وسبب قراءته عليه أنَّ الإمام السخاوي عندما عزم الرحيل إلى دمشق ودَّع شيخه الإمام الشاطبي ، فقال الإمام الشاطبي([36]) : إذا مضيت إلى الشام فاقرأ على الكندي ولاتروي عنه ، فأخذ عنه القراءات والنحو واللغة ، والأدب .

 

4- غياث بن فارس بن مكي أبو الجود اللخمي المنذري المصري([37]) المقرئ شيخ القراء بديار مصر ، أقرأ الناس دهراً ، ورحل إليه ، وكان ديناً فاضلاً ، بارعاً في الأدب توفي سنة (605 هـ ) .

 

5- محمد بن يوسف بن علي أبو الفضل الغزنوي([38])  الإمام المقرئ ، الفقيه الحنفي تصدر للإقراء في القاهرة ، وقرأ القراءات على سبط الخياط ، قرأ عليه الإمام السخاوي . توفي سنة ( 599 هـ ) .

 

6 - أبو الجيوش عساكر بن علي المقرئ النحوي الشافعي([39]) توفي سنة ( 581 هـ ) .

 

7 - هبة الله البوصيري([40]) .

 

8- إسماعيل بن ياسين([41]).

 

المبحث الخامس : شهرته وثناء العلماء عليه .

 

يُعَدُّ الإمام علم الدين السخاوي من الأئمة المشهورين في علوم القراءات والتفسير والنحو ، وقد كانت له شهرة في الآفاق ، لذلك وجدت ترجمته في أكثر من عشرين مرجعاً في كتب التراجم والتاريخ والطبقات ، وقد احتل مكانةً عالية عند القراء والنحاة وغيرهم : قال تلميذه الشيخ المقرئ شهاب الدين أبو شامة مثنياً([42]) : (( توفي شيخنا علم الدين علامة زمانه ، وشيخ أوانه بمنزله بالتربة الصالحية ، وخُتِمَ بموته موت مشايخ الشام يومئذ )) .

 

وترجم ياقوت الحموي ترجمة واسعة ، وهي أقدم ترجمة للإمام السخاوي حيث كتبها في حياته سنة ( 619 هـ) . قال([43]) : (( كان مبدؤه الاشتغال بالفقه على مذهب الإمام مالك ، وهو أديب فاضل ، دين ، يُرْحَلُ إليه للقراءة عليه )) .

 

قال الإمام الذهبي([44]) : (( كان إماماً كاملاً ومقرئاً محققاً ، ونحوياً علامةً مع بصره بمذهب الشافعي، ومعرفته بالأصول ، وإتقانه للغة ، وبراعته  في التفسير ، وكان من أفراد العالم ، ومن أذكياء بني آدم  ، ولا أعلم أحداً من القراء في الد نيا أكثر أصحاباً منه )) .

 

قال الإمام ابن الجزري([45]) : (( كان إماماً علامةً مقرئاً محققاً بصيراً بالقراءات   وعللها ، إماماً في النحو واللغة والتفسير ، عالماً بالفقه وأصوله، أتقن هذه العلوم إتقاناً  بليغاً ، وليس في عصره من يلحقه فيها )) .

 

وقال في شذرات الذهب([46]) : (( قرأ القراءات على الشاطبي وغيره حتى فاق أهل زمانه في القراءات ، وانتهت إليه رئاسة الإقراء والأدب بدمشق )) .

 

المبحث السادس : تلامذته وترجمة أشهرهم وذكر مؤلفاته  .

 

عاش الإمام السخاوي قرابة التسعين عاماً ، ونال شهرة عظيمة في قلوب الناس مما جعل الناس يتزاحمون عليه للقراءة حتى كثر تلامذته عن غيره من شيوخ الإقراء  ، وقال عنه القاضي ابن خلكان([47]) : (( رأيته بدمشق والناس يزدحمون عليه في الجامع لأجل القراءة ولا يكون لواحدٍ منهم نوبة إلا بعد زمان )) .

 

وقال الإمام الذهبي([48]) : (( لا أعلم أحداً من القرَّاء في الدنيا أكثر أصحاباً منه )) .

 

ومن أشهر هؤلاء التلاميذ :

 

1- عبد الرحمن بن إسماعيل أبوشامة المقدسي الدمشقي الشافعي المقرئ النحوي([49]) : الأصولي صاحب التصانيف ، قرأ على الإمام السخاوي ، ولازمه مدة طويلةً من شعبان سنة أربع عشرة وستمائة إلى سنة ثلاث وأربعين وستمائة  .

 

وقد درّس وأفتى وبرع في اللغة ، وصنف شرحاً للشاطبية سماه : إبراز المعاني ، وصنف الكثير من المصنفات منها الذيل على الروضتين . توفي سنة ( 665 هـ) .

 

2- محمد بن عبد الله بن مالك الشافعي النحوي([50]) نزيل دمشق ، حافظ اللغة وصاحب الألفية المشهورة : ألفية ابن مالك .

 

3- محمد بن علي بن موسى أبو الفتح الأنصاري الدمشقي([51]) ، أحد الكبار من أصحاب أبي الحسن السخاوي ، وقد ولِي مشيخة القراء بعد شيخه بتربة أم الصالح ، وكان عارفاً بوجوه القراءات ، جيد اللغة ، توفي سنة ( 657 هـ ) .

 

3- جعفر بن القاسم الدمشقي المقرئ([52]) ، قرأ القراءات على الإمام السخاوي ، توفي سنة إحدى وتسعين وست مائة 0

 

4- أحمد بن عبد الله أبو العباس الخابوري([53]) ، ثم الحلبي المقرئ الشافعي ، خطيب جامع حلب قرأ القراءات على الإمام السخاوي . توفي سنة ( 690 هـ )

 

5- إبراهيم بن داود أبو إسحاق العسقلاني([54]) المقرئ الشافعي ، قرأ بالروايات على الإمام السخاوي ولزمه ثمانية أعوام ، حتى إنه جمع عليه سبع ختمات للسبعة ، وحمل عنه الكثير من التفسير والآداب والحديث توفي سنة ( 692هـ ) ، وهو من شيوخ الإمام الذهبي .

 

6- الحسن بن أبي عبد الله أبو علي الأزدي المقرئ([55]) ، قرأ القراءات على أبي الحسن السخاوي وهو من جلة أصحابه توفي سنة ( 669 هـ )0

 

7- رشيد الدين أبو بكر([56]) ، قرأ القراءات على العلم السخاوي ، وكان من كبار المقرئين توفي سنة ( 673هـ ) .

 

8- عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس([57]) ، الإمام الكبير ، المقرئ شيخ القراء في زمانه بدمشق وشيخ المالكية وفقيهم ، قرأ القراءات على الشيخ علم الدين السخاوي توفي رحمه الله سنة (681 هـ ) .

 

9- ركن الدين إلياس بن علوان الإربلي المقرئ([58]) ، قرأ على السخاوي ، وتصدر للإقراء بجامع دمشق زمانا ، يقال ختم عليه أكثر من ألف نفسٍ .

 

10- أحمد بن إبراهيم أبو العباس الفزاري المقرئ النحوي الشافعي([59]) ، خطيب جامع  دمشق ، قرأ القراءات على الشيخ علم الدين السخاوي ، كان فصيحاً ، وفوهاً ، عديم اللحن ، عذب العبارة طيب الصوت ، توفي سنة ( 630 هـ ) .

 

المبحث السابع : آثاره ووفاته.

 

آثاره :

 

ترك المؤلف رحمه آثاراً عظيمةً من المؤلفات ، في موضوعات شتى ، فقد ألف في القراءات ، ورسم المصاحف ، والتفسير ، والفقه ، والنحو ، واللغة ، والشعر ، ذكرت منها مايلي([60]) .

 

1- فتح الوصيد في شرح القصيد شرح فيه القصيدة الشاطبية في مجلدين ، وهو الرسالة التي بين يديك .

 

2- الوسيلة في شرح العقيلة ، شرح فيه قصيدة عقيلة أتراب القصائد للإمام الشاطبي .

 

3- شرح المفصل للزمخشري في أربع مجلدات .

 

4- جمال القراء وكمال الإقراء  ، في مجلد .

 

4- تفسير نصف القرآن إلى سورة الكهف في أربع أسفار ، توفي قبل إكماله .

 

5- الإفصاح وغاية الإشراح في القراءات السبع .

 

6- أقوى العدد في معرفة العدد .

 

7- القصائد السبعة في مدائح النبوية ، وقد شرحها تلميذه المقرئ أبوشامة المتقدم .

 

8- منازل الإجلال والتعظيم في فضائل القرآن العظيم .

 

9- الجواهر المكللة في الأخبار المسلسلة .

 

10- مناسك الحج في أربعة مجلدات .

 

11- شرح المحاجاة في الأحاجي والمغلوطات للزمخشري .

 

12- شرح مصابيح السنة للبغوي .

 

13- متشابهات الكتاب .

 

14- إفصاح الموجز في إيضاح المعجز .

 

هذا بعض آثاره التي وقفت عليها  .

 

وفاته .

 

بعد هذه الرحلة الممتعة في حياة شيخنا الإمام السخاوي ، انتقل إلى جوار ربه في سنة (643 هـ ) في شهر ، ومن شعره قبل وفاته وهو في مرضه([61]) :

 

قالوا غداً نأتي ديار الحمى

وكلُّ من كان مطيعاً لهم

قلت : فلي ذنبٌ فما حيلتي

قيــل : أليـس العفـوُ من شـأنـهـم

 

 

 

 

 

وينزل الرَّكب بمَغْناهُمُ

أصبح مسروراً بلقياهُمُ

بأيٍّ وجهٍ أتلقاهُمُ

لا سـيـمـا عـمَّـنْ تـرجَّـاهُــــــــمُ

 

قال تلميذه الإمام أبو شامة([62]) : توفي شيخنا علم الدين ، علامة زمانه ، وشيخ أوانه بمنزله بالتربة الصالحية في ثاني عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاثٍ وأربعين وستمائة ، وصُلي عليه بعد الظهر بجامع دمشق ، ثم خرج بجنازته في جمعٍ إلى جبل قاسيون ، وكانت على جنازته هيبةٌ وجلالةٌ وإخبات ، حضرت الصلاة عليه مرتين بالجامع ، وخارج باب الفرج ، وشيعته إلى سوق الغنم ، ثم رجعت لضعفٍ كان من أثر المرض ، وكان يوماً ماطراً وفي الأرض وحل .

 

 

 

الفصل الثاني

 

وصف كتاب (( فتح الوصيد ))

 

وفيه عدة مباحث :

 

المبحث الأول : أهمية كتاب فتح الوصيد على شروح الشاطبية .

 

المبحث الثاني : إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه .

 

المبحث الثالث: منهج المصنف في الكتاب .

 

المبحث الرابع : وصف مخطوطات الكتاب ونماذج منها.

 

المبحث الخامس : أسانيد الباحث المتصلة إلى قصيدة الشاطبية ، وكتاب فتح الوصيد .

 

 

المبحث الأول : أهمية كتاب (( فتح الوصيد )) على شروح الشاطبية .

 

ذكرت مكانة القصيدة الشاطبية في علم القراءات ووقفت على ثناء العلماء والقراء على هذه القصيدة ، وذكرت أيضاً عناية أئمة القراء للقصيدة ، وتهافتهم على خدمتها وشرحها ، وذكرت شراحها ، وأذكر هنا منزلة كتاب فتح الوصيد في شرح القصيد وهو هذه الرسالة .

 

لمّا كانت القصيدة الشاطبية بهذه المكانة الرفيعة كان لزاماً أن يكون لها شرح واسع يحل ألغازها ورموزها ، ويسهل معانيها  ، وقد بقيت الشاطبية من غير شرحٍ في حياة ناظمها ، ولكن بعد وفاته قيض الله واحداً من أقرب تلامذته لشرحه ، وهو الإمام السخاوي ، وقال الإمام الشاطبي لتلامذته أثناء شرحه القصيدة لتلامذته : يقيض الله فتىً يشرحها

 

قال الإمام أبو شامة في شرحه([63]) : (( حكى لنا بعض أصحابنا أنه سمع بعض الشيوخ المعاصرين للإمام الشاطبي يقول : لُمته في نظمه لها لقصور الأفهام عن دركها ، فقال : ياسيدي هذه يقيض الله لها فتىً يبينها )) فلما رأيت السخاوي قد شرحها علمت أنه ذلك الفتى الذي أشار إليه

 

قال العلامة أبوشامة مبيناً أهمية كتاب فتح الوصيد([64]) : (( وإنما شهرها بين الناس وشرحها ، وبين معانيها وأوضحها ، ونبّه على قدر ناظمها ، وعرَّف بحال عالمها شيخنا الإمام العلامة علم الدين بقية مشايخ المسلمين .علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي )) .

 

وقال العلامة المقرئ أبو إسحاق الجعبري في شرحه([65]) : (( وكلٌّ كَلٌّ على فاتح وصيدها ومانح نضيدها الشيخ العلامة تاج القراء ، سراج الأدباء ، علم الدين السخاوي ، لأنه قرأها على مؤلفها غير مرةٍ ، وهو أعلم بها من غيره من الشارحين )) .

 

قلت : رحم الله الإمام الجعبري على هذا التواضع واعترافه بالفضل لغيره ، فلقد شرح الشاطبية وسماه كنز المعاني في مجلدين ، ولكنه أبى إلا أن يرد الفضل لأهله .

 

قال الإمام ابن الجزري([66]) : (( بل هو والله السبب في شهرتها في الآفاق ، وإليه أشار الشاطبي بقوله : يقيض الله فتىً يشرحها )) .

 

المبحث الثاني : إثبات نسبة الكتاب إلى مصنفه .

 

اتفقت جميع المصادر التي ترجمت للإمام السخاوي والتي رجعت إليها بأنَّ له كتاباً شرح فيه قصيدة شيخه الإمام الشاطبي سماه : فتح الوصيد في شرح القصيد .

 

وهذا الذي ذكره الإمام السخاوي في مقدمة كتابه حيث قال : وسمَّيْتُه : (( فتح الوصيد في شرح القصيد )) .

 

وهو مثبتٌ على صفحة الغلاف في جميع النسخ المخطوطة التي رجعت إليها  ففي نسخة شيستربتي كتب على الغلاف : كتاب فتح الوصيد في شرح القصيد ، تصنيف الشيخ الفقيه الإمام الكامل الحافظ المؤرخ علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي بدمشق .

 

وفي نهاية نسخة دار الكتب كُتب : قرأت جميع هذا الجزء والذي قبله وهما جميع كتاب فتح الوصيد في شرح القصيد على مصنفه شيخنا وسيدنا الإمام العالم العلامة سيد العلماء والنحاة والقراء شيخ الإسلام بقية السلف وعمدة الخلف علم الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي ، أمتعنا الله بطول حياته وأعاد على الكافة من بركاته .

 

فهذه تؤكد أن كتاب فتح الوصيد في شرح القصيد من مؤلفات الإمام    السخاوي .

 

المبحث الثالث: منهج المصنف في الكتاب .

 

كان منهج الإمام السخاوي في كتابه  فتح الوصيد على النحو التالي :

 

1- مقدمة فيها ثناءٌ وتمجيد لرب العالمين ، ثم اسم الكتاب وأهمية حرز الأماني ، وأهمية كتاب التيسير .

 

2- ترجمة وجيزة لشيخه الإمام الشاطبي وفيها صفاته وأحواله وشيء من كراماته ، ثم وفاته والصلاة عليه ومكان دفنه .

 

3- إجازات الإمام الشاطبي من شيوخه ، وأهمهم الإمام المقرئ أبي عبد الله النفزي ، وابن هذيل .

 

4- ذكر القراء السبعة وأسانيدهم .

 

4- ذكر فيه بعض قصائد الإمام الشاطبي التي نظمها في حياته .

 

5- شرح مفصل للقصيدة الشاطبية .

 

أسلوب الإمام السخاوي في الشرح :

 

كان كتاب فتح الوصيد شرحاً وافياً شاملاً واسعاً للقصيدة الشاطبية ، فعند قراءة الكتاب والعيش معه في تحقيقه شعرت أنني أمام كتاب واسعٍ ، فيه مادة علمية غزيرة ، فهو كتاب حوى عدة كتبٍ .

 

في علم القراءات ، حلّ القصيدة وشرح غموضها ، وبَيَّن مراد الناظم في الرموز  ، فكان هذا الكتاب نبعاً معيناً لشروح الشاطبية من بعده ، وحَكَماً بين شراح القصيد إذا اختلفوا في أبيات الناظم .

 

كذلك بَيَّن أقوال علماء النحو والصرف في كثير من الكلمات اللغوية ، وبين وزنها الصرفي ، وناقش آراء النحاة وردّ عليهم لأنهم حكَّموا القرآن على قواعد النحو مما دفعهم للطعن في كثيرٍ من القراءات المتواترة ، فكان ردّه عليهم رداً علمياً واسعاً ، يدلك على دقته ورسوخه في علم النحو والصرف فمثلاً : في حقيقة الإشمام في : (( قيل )) (( وحيل )) .

 

يقول([67]) : وزعم قومٌ من أهل الأداء أنَّ حقيقة الإشمام في ذلك : أن يُشمَّ أوله ضماً مختلساً ، وهذا أيضا باطل ؛ لأنَّ مايختلس من الحركات ولا يتم الصوت به كهمزة بين بين ، وغيرها ، لا يقع أبداً أوَّلاً ، وذلك لقربه بالتضعيف والتوهين من الساكن المحض ، وإنما دخل الوهم على هؤلاء وعلى قومٍ من جهلة النحاة من أجل العبارة عنه بالإشمام .

 

ردّ على النحاة لطعنهم في قراءة ابن عامر في قوله تعالى : { وكذ1لك زُيِّنَ لكثيرٍ من المشركين قتلُ أولادَهُم شُركائِهِم } ، وخاصة إنكار الإمام الزمخشري قراءة ابن عامر قال الإمام السخاوي([68]) : وقد اشتد نكيرُ النحاةِ البصريين على ابن عامرٍ وسلك المتأخرون مسلكهم في الطعن والردِّ حتى قال بعضهم([69]) : (( إنَّ ذلك لو كان في مكان الضرورات وهو الشعر لكان سَمِجَاً مردوداً ، كما سَمُجَ ورُدَّ :

 

. . . . . . . . . . . .          زجَّ القلوص أبي مزادة

 

فكيف به في الكلام المنثور ، فكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته ؟. قال : والذي حمله على ذلك أنْ رأى في بعض المصاحف شركائهم مكتوباً بالياء ، ولو قرأ بجر فقد أورد شواهد من أشعار العرب على صحة القراءة ، ثم ردَّ السخاوي فقال:

 

وإذا ثبتت القراءة عن إمامٍ من أئمة القراءة فما وجه الطعن فيها ؟، وأما الخطُّ فما اعتمدت اللغة عليه إلا مع النقل ، وقد جاءت التفرقة بين المضافين في الكلام والشعر ، وقد حكى ابن الأنباري عن العرب : هو غلام إن شاء الله أخيك .

 

وقد اهتم الإمام السخاوي بالشواهد الشعرية في كتابه فقد أورد العديد من شواهد كأدلة على صحة القراءة .

 

في الفقه أعطى اهتماماً بالمسائل الفقهية وتوجيه القراءة المختلف فيها ، واختلاف الفقهاء في ذلك ، فمثلاً القراءة في { يطهرن } قال : لأنَّ يطهرن بالتخفيف يحتمل أن يراد به انقطاع الدم ؛ فيكون التقدير على هذا على رأي من لا يجيز الوطء  إلا بعد الغسل حتى يطهرن ويتطهرن بالماء ، ويدل على ذلك قوله { فإذا تَطَهَّرْنَ }([70]) ، وهذا كما تقول : لا تكلم زيداً حتى يجلس فإذا طابت نفسه فكلِّمه أي : فإذا جلس وطابت نفسه فكلِّمه ؛ فهذا وجه قد سما فيه عند مَنْ عوَّل عليه ، وأبو حنيفة يجيز الوطء من غير اغتسال إذا انقطع الدم لأكثر مدة الحيض عنده وهو عشرة أيام .

 

وأباح الأوزاعي وطأها بعد انقطاع الدم إذا غسلت فرجها ، وكذلك يقول مجاهد إذا توضأت وأصحاب هذه الإباحة يحتجون بظاهر اللفظ ، وفي قوله : حتى يطهرن ويحملون قوله { فإذا تطهرن } على ذلك ويجعلونه بمعناه ويحتمل التخفيف أيضاً

 

أن يكون حتى يطهرن بالغسل كما تقول لمن اغتسل من الجنابة : قد طهرت ، وهو معنى تفسير الحسن ، ومَنْ قرأ يطَّهَّرن فأصله يتطهرن فأدغمت التاء في الطاء([71]) .

 

كذلك اختلافهم في قراءة أرجلكم قال رحمه : وقيل : لمَّا كان غَسْلُ الأرجل بصبِّ الماء فهي مَظِنَّةٌ الإسراف ، وهو منهيٌّ عنه مذموم فعطفت على الممسوح لا لتُمْسَحَ ولكن ليُنَبِّهَ على وجوب الاقتصاد في  صبِّ الماء عليها .

 

وقوله : { إلى الكَعْبَيْنِ } [المائدة 6] دالٌ على الغُسل لأنَّ  المسح لم يُجْعَل له حدٌّ ؛ وقال الشافعي رحمه الله : أراد بالنصب قوماً ، وبالجر آخرين ؛ يعني أنهما نزلتا من السماء ، فأفادت إحداهما وجوب الغسل ، وأفادت الأخرى المسح على الخفين ؛ ولذلك قال النبي e في القراءتين المختلفتين : (( هكذا أنزلت هكذا أنزلت )) ؛ فهذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي([72]) .

 

ومما يمتاز به الكتاب اعتماده على كتاب التيسير ، فهو شرح القصيد لكنه رجع إلى أصل القصيد وهو كتاب التيسير فأخذ يثبت ماذكره الإمام أبوعمرو الداني .

 

كذلك مناقشة آراء المعتزلة ، وعلى رأسهم شيخ النحاة في عصره الزمخشري ففي قراءة ابن عامر  { وكذ1لك زُيِّنَ لكثيرٍ من المشركين قتلُ أولادَهُم شُركائِهِم } فقد دافع عنها وردَّ قول النحاة كما تقدَّم .

 

كذلك اهتمامه بتوجيه القراءات المختلف فيها، فكان ينقل كلام أبي علي الفارسي في توجيه القراءة ويعتمد عليه إلا إذا أنكر قراءة من القراءات فكان يردُّ عليه ويخطئه .

 

اعتماده على أمهات كتب النحو ككتب سيبويه ، وكتاب معاني القرآن للفراء ، وكتاب معاني القرآن للزجاج والأخفش ، فكان يورد كثيراً من أقوالهم التي ذكروها في كتبهم لأنهم أئمة النحو في زمانهم .

 

اهتمامه بالأحاديث النبوية ، فيأتي بها عاضداً لصحة القراءة ، ولكن قد تكون هذه الأحاديث غير صحيحة فيوردها([73]) دون النظر إلى درجة صحتها .

 

المبحث الرابع : وصف مخطوطات الكتاب ونماذج منها.

 

من خلال الاطلاع والبحث وقفت على نسخٍ لهذا الكتاب في مكتباتٍ متفرقة ، وكلها نسخٌ ذات قيمةٍ عالية ، ومن هذه النسخ مايلي :

 

1 - نسخة الأصل : وهي مصورة عن نسخة شيستربتي من إيرلندا تحت رقم 3926/ف ، وقد حصلت عليها من مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعدد ورقاتها ( 150 ) ورقة ، في كلِّ ورقة لوحتان وعدد السطور في كلِّ لوحة 29 سطراً .

 

وكتبت بخط نسخ كتبها محمد بن عمر بن أبي الطاهر الإسكندري ، وتاريخ النسخة كما هو مثبت في آخر الكتاب كالتالي : وكان الفراغ من نسخه يوم الخميس لسبعٍ وعشرين ليلة خلت من شهر شعبان من عام ( 612هـ) وهذه أقدم نسخة لهذا الكتاب حيث كتبت في حياة المؤلف ، وكان عمر الإمام السخاوي ( 54 ) عاماً أي كتبت قبل وفاته بواحدٍ وثلاثين عاماً ، وهي نسخة لها قيمتها التوثيقية بالنسبة لتاريخها القديم ، وعليها تصحيحات ، وهي مقرؤة ومقابلة على نسخة المصنف حيث كتب على الحواشي ( بلغ قراءة ) ، وكتب في آخر النسخة عبارة ( بلغ هنا مقابلة نسخة المصنف ) .

 

وتقع في جزأين ، الجزء الأول من أول الكتاب إلى نهاية الأصول ، والجزء الثاني من أول سورة البقرة إلى نهاية الكتاب ، وقد جعلت الجزء الأول أصلاً اعتمدت عليه في تحقيق الكتاب ، رمزت لها بـ ( ش ) .

 

وأسباب اختياري للجزء الأول منها ليكون أصلاً للكتاب مايلي :

 

- كتبت في حياة المصنف وهي أقدم نسخة وتاريخها ( 612هـ ) .

 

- مقرؤة ومقابلة على نسخة أخرى .

 

- في حواشيها تصحيح لبعض الأخطاء .

 

2- نسخة مصورة من مكتبة باريس الوطنية برقم (611 ) ، وقد حصلت على صورة منها من مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات ، وتقع في مجلدٍ واحد وتبدأ من بداية قول الناظم :

 

بَدَأْتُ بِبِسْمِ اللهِ في  النَّظْمِ  أَوَّلا        تَبَارَكَ  رَحْمَانَاً  رَحِــيمَاً  وَمَـوْئـِـلاً

 

إلى نهاية الأصول ، وقد استفدت من النسخة في المقابلة ، وأثبت الفوارق ، ولم يعرف تاريخ النسخ ، ولكن يغلب على الظن أنها كتبت في القرن الثامن ، ورمزت لها بـ (ب ) .

 

3- نسخة مكتبة عارف حكمت في المدينة المنورة برقم (35/قراءات ) في جزأين ، وتقع في (207 ) ورقة ، وفي كل ورقة لوحتان ، وعدد السطور في كل لوحة ( 25 ) سطراً ، بدون تاريخ أو ذكر اسم الناسخ ، والترقيم فيها يختلف عن المخطوط الأصلي ، وربما يعود تاريخ النسخ إلى القرن الثامن الهجري ، وقد رمزت لها بـ ( ع ) ، وفيها سقط لبعض الأوراق قد أشرت إلى مواضعه، وقد استفدت منها في المقابلة مع الأصل وفيها زيادات قيمة قد أثبتها مع الأصل وأشرت إلى تلك الزيادات .

 

4- نسخة مكتبة التيمورية برقم ( 255 ) وكتبت في تاريخ ( 840هـ ) كما هو مثبت في آخر المجلد ، وقد حصلت على مجلدٍ واحدٍ من بداية الكتاب إلى نهاية الأصول ، وعدد أوراقها ( 257 ) في كل ورقة لوحتان وعدد الأسطر في كل لوحة (19) سطراً، وهي نسخة جيدة الخط ومضبوطة ورمزت لها بـ ( ت ) ، وقد استفدت منها في المقابلة مع الأصل .

 

5- نسخة دار الكتب المصرية ، وهي أنفس نسخة وقعت تحت يدي ، وتقع في (206) ورقة ، في كلِّ ورقة لوحتان ، وعدد الأسطر في كل لوحة (19) سطراً ،ويرجع تاريخ النسخ إلى ( 640هـ ) ومضبوطة حرفاً حرفاً ، وهي ذات جودة عالية ، خطها جميل ليس فيه غموض ، وفيها سقط ثلاث أوراق ، ويوجد منه مجلد واحد وهو الجزء الثاني من الكتاب من بداية سورة البقرة إلى نهاية الكتاب ، ولكنها وضعت مع المجلد الأول من النسخة التيمورية حتى يكتمل الكتاب .

 

وقد قوبلت هذه النسخة مع نسخة المؤلف وقرئت على المصنف الإمام السخاوي ، كما هو مثبت في آخر الكتاب يقول ناسخها :

 

قرأت جميع هذا الجزء والذي قبله وهما جميع كتاب فتح الوصيد في شرح القصيد على مصنفه شيخنا وسيدنا الإمام العالم العلامة سيد العلماء والنحاة والقراء شيخ الإسلام بقية السلف وعمدة الخلف علم الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي ، أمتعنا الله بطول حياته وأعاد على الكافة من بركاته .

 

وكتب محمد بن عبد المنعم بن علي بن عبد الغني بن علي بن رمضان القرشي عفا الله عنه ، وذلك في العشر الوسط من ذي الحجة سنة أربعين وستمائة ، والحمد لله أولاً وآخرًا ، وصلواته على سيدنا محمد وعلى آله وسلامه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

 

وقد كُتِب على ورقة الغلاف مايلي : فتح الوصيد في شرح القصيد ، تصنيف الشيخ الفقيه الإمام الكامل الحافظ المؤرخ علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي بدمشق .

 

كما يوجد على غلافها خط الإمام السخاوي ، وقد جعلت هذه النسخة أصلاً للجزء الثاني من هذه الكتاب ، والحقُّ أنَّ هذه النسخة قد أفادتني إفادة جمة في سير تحقيق الكتاب .

 

وأسباب اختياري هذه النسخة لتكون الأصل للمجلد الثاني مايلي :

 

- مقرؤة على المصنف نفسه مع المقابلة بأصل نسخته .

 

- فيها تصحيحات من نسخة المصنف

 

- حسن الخط التي كتبت به مع الضبط لكل حرفٍ .

 

 

 

 

المبحث السادس : أسانيد الباحث المتصلة إلى قصيدة الشاطبية ، وكتاب فتح الوصيد .

 

لقد اختصت الأمة المحمدية عن غيرها من الأمم الغابرة بنعمة الإسناد الذي يربط خلف الأمة بسلفها ، وكانت الإجازة أحد الأوجه الثمانية في التحمل ، وبقيت سنةً جارية عند أهل العلم دون انقطاعٍ في ذلك سواء في كتاب الله أو أحاديث رسول الله e .

 

ومن إكرام الله عليَّ أني قرأت القرآن بقراءاته العشر بإسنادٍ إلى رسول الله e .

 

سندي المتصل بالإمام الشاطبي :

 

قرأت القرآن من أوله إلى آخره ثلاث مرات على شيخي وأستاذي العلامة المحقق المقرئ الشيخ عبد الفتاح المرصفي رحمه الله وأمطر على قبره شآبيب رحمته .، وذلك في طيبة الطيبة في المدينة المنورة على ساكنها أزكى الصلاة والسلام .

 

قرأته مرة برواية حفصٍ عن عاصم إفراداً ، ومرة جمعاً بالقراءات السبع من طريق الشاطبية ، ومرة بالقراءات الثلاثة من طريق الدرة .

 

أما القراءات السبع من طريق الشاطبية فقد أخبرني أنه تلقاه عن عدة شيوخٍ متقنين ، من أبرزهم المقرئ الكبير الشيخ أحمد عبدالعزيز الزيات ، وهو عن المقرئ الشيخ عبدالفتاح هنيدي ، وهو عن العلامة المحقق الشيخ محمد بن أحمد المشهور بالمتولي ، وهو عن الشيخ أحمد الدري التهامي ، وهو عن شيخ قراء وقته الشيخ أحمد بن محمد المعروف بسلمونه ، وهو عن شيخه المحقق السيد إبراهيم العبيدي ، وهو عن الشيخ عبدالرحمن الأجهوري ، وهو عن العلامة الشيخ أحمد البقري المعروف بأبي السماح ، وهو شيخ قراء وقته الشيخ محمد بن قاسم البقري ، وهو عن شيخ قراء وقته الشيخ عبدالرحمن اليمني ، وهو عن والده الشيخ شحاذة اليمني ، وهو عن العلامة الشيخ ناصر الدين الطبلاوي ، وهو عن شيخ الإسلام والمسلمين أبي يحيى الأنصاري ، وهو عن شيخ وقته أبي النعيم رضوان بن محمد العقبي ، وهو عن شيخ القراء والمحدثين المحقق الإمام محمد بن محمد الجزري ، وهو عن شيخ إقراء مصر الشيخ أبي محمد عبدالرحمن بن أحمد بن علي بن المبارك بن معالي البغدادي الواسطي ، وهو عن شيخ إقراء مصر أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبدالخالق المصري المعروف بالصائغ ، وهو شيخ قراء مصر علي بن شجاع المعروف بالكمال الضرير وبصهر الشاطبي عن الناظم أبي محمد القاسم بن فِيرُّة بن خلف الشاطبي .

 

وبنفس الإسناد السابق أروي قصيدة الإمام الشاطبي بقراءتها عليه من أولها إلى آخرها .

 

وأروي قصيدة الشاطبية ضمن الإجازة الخاصة والعامة عن مسند العصر المحدث العلامة الشيخ محمد بن ياسين الفاداني المكي ، وهو عن العلامة المقرئ الشيخ إبراهيم بن موسى الخزامي ، عن العلامة الشيخ محمد الشِّربيني الدمياطي ، عن الشيخ أحمد اللخبوط الشافعي ، عن الشيخ محمد شطا ، عن الشيخ حسن بن أحمد العوادلي ، عن أحمد بن عبدالرحمن الإبشيهي ، عن عبدالرحمن الشافعي ، عن أحمد بن عمر الإسقاطي ، عن الشيخ سلطان بن أحمد المزَّاحي ، عن سيف الدين بن عطاء الله الفضالي ، عن الشيخ شحاذة اليمني ، عن الشيخ ناصر الدين الطبلاوي ، عن شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا الأنصاري ، عن الشيخ أحمد القلقيلي النويري ، عن العلامة الإمام محمد بن محمد الجزري وهو عن شيخ إقراء مصر الشيخ أبي محمد عبدالرحمن بن أحمد بن علي بن المبارك بن معالي البغدادي الواسطي ، وهو عن شيخ إقراء مصر أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبدالخالق المصري المعروف بالصائغ،وهو شيخ قراء مصر علي بن شجاع المعروف بالكمال الضرير وبصهر الشاطبي، عن الناظم أبي محمد القاسم بن فِيرُّة بن خلف الشاطبي

 

وأما سندي إلى كتاب(( فتح الوصيد في شرح القصيد )) .

 

فأقول : أروي كتاب (( فتح الوصيد في شرح القصيد )) ، بالإجازة العامة عن مسند العصر المحدث العلامة الشيخ محمد بن ياسين الفاداني المكي رحمه الله ، وهو عن العلامة المقرئ الشيخ إبراهيم بن موسى الخزامي ، عن العلامة الشيخ محمد الشِّربيني الدمياطي ، عن الشيخ أحمد اللخبوط الشافعي ، عن الشيخ محمد شطا ، عن الشيخ حسن بن أحمد العوادلي ، عن أحمد بن عبدالرحمن الإبشيهي ، عن عبدالرحمن الشافعي ، عن أحمد بن عمر الإسقاطي ، عن الشيخ سلطان بن أحمد المزَّاحي ، عن سيف الدين بن عطاء الله الفضالي ، عن الشيخ شحاذة اليمني ، عن الشيخ ناصر الدين الطبلاوي ، عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري ، عن الشيخ أحمد القلقيلي النويري ، عن العلامة الإمام محمد ابن محمد الجزري ، عن الإمام الحافظ أبي المعالي محمد بن رافع ، قال أخبرنا بها الإمام الرشيد إسماعيل بن عثمان الحنفي([74]) ،وهو عن الإمام علي بن محمد بن عبد الصمد أبي الحسن علم الدين الهمْداني السَّخَاوي ، المقرئ  المفسِّر النَّحْوي ، شيخ القرّاء بدمشق في زمانه .

 

([1]) كتاب التيسير لأبي عمرو الداني وقد طبع بتصحيح الأستاذ أوتريرتزل .

([2]) إبراز المعاني لأبي شامة ص 8 .

([3]) معرفة القراء 2/574 .

([4]) غاية النهاية 2/ 22 - 23 .

([5]) 3/467 .

([6]) مختصر الفتح المواهبي ص/ 65 .

([7]) غاية النهاية 2/22 .

([8]) إبراز المعاني 8 .

([9]) مختصر الفتح المواهبي 58 .

([10]) معرفة القراء الكبار 2/637 .

([11]) معرفة القراء الكبار 2/668 .

([12]) معرفة القراء الكبار 2/671 .

([13]) معرفة القراء الكبار 2/668 .

([14]) معرفة القراء الكبار 2/743 .

([15]) غاية النهاية 1/555 .

([16]) ذيل الروضتين ص 104 .

([17]) ذيل الروضتين 177، وفيات الأعيان 3/340، غاية النهاية 1/568 ، طبقات السبكي 8/297 ، معرفة القراء 2/631 ، النجوم الزاهرة 6/354 .

([18]) معجم البلدان 3/196 .

([19]) شرح ابن عقيل جـ 4/155 .

([20]) انظر قسم التحقيق من هذه الرسالة 1/ 47 .

([21]) النجوم الزاهرة 6/110 .

([22]) غاية النهاية 1/569 .

([23]) وفيات الأعيان 3/340 .

([24]) معرفة القراء 2/633 .

([25]) الآية (204) من سورة الأعراف .

([26]) غاية النهاية 1/569 - 571 .

([27]) الجواهر المضية 2/261 ، معجم المؤلفين 8/ 47 .

([28]) ذيل الروضتين ص/ 182 .

([29]) إيضاح المكنون 1/185 ، معجم المؤلفين 9/201 .

([30]) معجم المؤلفين 7/277 .

([31]) معجم المؤلفين 9/23 .

([32]) معجم المؤلفين 9/113 .

([33]) مختصر الفتح المواهبي ص 59 .

([34]) معرفة القراء 2/ 586 ، غاية النهاية 1/297 .

([35]) هو إمام النحو سيبويه لأن اسمه عمرو .

([36]) بغية الوعاة 2/192 .

([37]) معرفة القراء 2/ 589 .

([38]) معرفة القراء 2/ 579 .

([39]) معرفة القراء 2/631 .

([40]) غاية النهاية 1/569 .

([41]) غاية النهاية 1/569 .

([42]) ذيل الروضتين ص 177 .

([43]) معجم الأدباء 15/65 .

([44]) معرفة القراء 2/632 .

([45]) غاية النهاية 1/569 .

([46]) 5/222 .

([47]) وفيات الأعيان 3/341 .

([48]) معرفة القراء 2/632 .

([49]) معرفة القراء 2/673 .

([50]) بغية الوعاة 32 .

([51]) معرفة القراء 2/669 .

([52]) معرفة القراء 2/706 .

([53]) معرفة القراء 2/705 ، غاية النهاية 1/73 .

([54]) معرفة القراء 2/ 655 .

([55]) معرفة القراء 2/ 675 .

([56]) معرفة القراء 2/ 676 .

([57]) معرفة القراء 2/ 676 .

([58]) معرفة القراء 2/ 686 .

([59]) معرفة القراء 2/ 714 .

([60]) معرفة القراء 2/633 ، وهدية العارفين 1/708 .

([61]) معرفة القراء 2/ 634 ، غاية النهاية 1/570- 571 .

([62]) ذيل الروضتين ص177 .

([63]) إبراز المعاني ص 8 .

([64]) إبراز المعاني ص 8 .

([65]) كنز المعاني ورقة 2 . مخطوط .

([66]) غاية النهاية 1/568 .

([67]) انظر قسم التحقيق من هذه الرسالة 2/377 .

([68]) انظر قسم التحقيق من هذه الرسالة 2/541 .

([69]) القائل هو الزمخشري في تفسيره . انظر : تفسيره 1/530 .

([70]) الآية (222) من سورة البقرة .

([71]) انظر قسم التحقيق من هذه الرسالة 2/425 .

([72]) انظر قسم التحقيق من هذه الرسالة 2/504 .

([73]) وقد بينت الصحيح والضعيف منها في قسم التحقيق .

([74]) وهو آخر من قرأ على الإمام السخاوي .

 

ج3.

 

القسم الثاني : التحقيق

 

ويشتمل على :

 

أ - النص الكامل المحقق لكتاب (( فتح الوصيد في شرح القصيد )) للإمام علم الدين أبي الحسن علي بن محمد السخاوي .

 

ب - الخاتمة .

 

جـ - الفهارس .

 

1. وصلى الله على محمد وآله وسلم

 

الحَمْدُ لله الذي جَعلَ كِتابه العزيز نوراً نهتدي به إذا أظلمت الأمور ، وسُوراً نتحصَّن فيه عند نُزولِ المحذُور ، وضياءً تَستَهْدِيهِ البصائرُ فلا تَحيدُ عن الحقِّ ولا تَحُور ، وشفاءً لما في الصُّدُور ، وشَفيعاً إذا بُعْثِرَ ما في القُبور .

 

أحْمَدُهُ على ما خَصَّنا مِنْ حَمْلِهِ ، وأسألُه أن يجعلَنا من أهلهِ ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً سليمةً من الأهواء ، بريئةً ممن أَلْحَدَ في الأسْمَاءِ ، طيبةً ، أصلُها ثابتٌ وفرعها في السَّماءِ .

 

وأشهد أنَّ مُحمداً eعبْدُه المؤيَّدُ بأوضحِ دليلٍ ، المفضَّلُ على أهل كل قرنٍ وجيل  المنعوتُ في التوراة والإنجيل ، المبعوثُ بالكتاب الساطعِ بيانُه ، القاطعِ([1]) برهانُه ، المُسْكِتِ لكل ذي لَسَنٍ لسانَه ، المودَعِ من الحِكَمِ ما ليس في كتاب ، المنزَّلِ على سبعة أحرفٍ من سبعة أبواب ، المبرَّأِ من التغير والتبديل على الآباد ، المشهورِ بتوفر الدواعي عليه على تطاول الآماد ، المحروسِ بمن يختاره الله [ لميراثه ، المصون المحفوظ بهم عن تخليط السواد ]([2]) التي لهج بها المبطلون .

 

وإنَّ مِنْهمْ لَفَرِيقاً يَلوُون أَلْسِنَتَهم بالكِتَب لِتَحْسَبُوه مِن الكِتَبِ وما هو من الكِتَبِ ، ويقولون هو منْ عندِ اللهِ وما هو مِن عِنْدِ اللهِ ويَقُولُون على الله الكَذِبَ وهُمْ  يعلَمُون {([3]) .

 

فلا يَخْلَقُ على كثرةِ التَكْرير والترديد ، } لايأْتِيه البَاطِلُ مِنْ بين يَدَيه ولا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حميدٍ {([4]) .

 

وعِيدُهُ يَصدعُ قلوبَ الخَائفين ، وتَوْحِيدُهُ يجمعُ علومَ العارفين ، وأحكامُه تحْسُم مادةَ الخصامِ ، وفرقانُه مميِّزٌ بين الحلالِ والحرامِ ؛ فكلُّ عالمٍ اغْتَرَف مِنْ بحرهِ ووقفَ فيه عند قدره .

 

اللهمَّ اجْعَلْنا ممن ساعدَتْهُ على القيام به جوارِحُه وأوصالُه ، واستنارت بتلاوته غُدواتُه وآصَالُه([5]) ، وَلانَ إلى ذِكْرك قلبُه ،وتَوكَّفَ لخشيتك جَفْنُه([6]) ، وسمح بالدمع غَرْبه([7]) ، ولقيك متقرِّباً إليك من تلاوته بأفضل عملٍ نائلاً لديك شفاعته فوق الأمل .

 

اللهمَّ وصلِّ على المنزَّل عليه فضْلَ صلاةٍ وأكمل ، واخْصُصه بأطيبِ ذكرٍ وأجمل ، وعلى أهله وصحبه السَّلام ماهَطَلَت السَّحَائبُ الهُمَّل([8]) ، وبعد :

 

فإنِّي أَذْكُرُ([9]) في هذا الكتابِ بحولِ اللهِ وقوتهِ شرحَ قصيدةِ الشيخِ الإمامِ شرفِ الحفاظِ والقرَّاءِ ، عَلَمِ الزُّهادِ والكُبراءِ أبي القاسم بنِ فِيرُّه بن أبي القاسم الرُّعيني الشَّاطبي رحمه الله الملقبة بـ (( حِرْز الأماني ووجه التهاني )) لما جمَعَتْهُ من الفوائدِ ، وحَوَتْه من حسن المقاصد وسمَّيْتُه([10]) : (( فتح الوصيد في شرح القصيد )) .

 

وماعلمتُ كتاباً في هذا الفنِّ منها أنفعَ وأجلَّ قَدْرَاً وأرفع إذْ ضَمَّنَها كتابُ التيسير في أوجز لفظٍ وأقربه ، وأجْزَلِ نظيرٍ وأغْرَبِهِ .

 

والتيسيرُ كتابٌ معدومُ النظير للتحقيق الذي اختصَّ به والتحرير ، فحقائقُه لائحةٌ كَفَلَقِ الصَّباحِ ، وجَوادُه متضحةٌ غايةَ الاتضاح ، وقد أَرْبَتْ هذه القصيدةُ عليه فزادت ، ومنحتْ الطَّالبِين أمانيهم وأفادتْ .

 

جعله الله سَعياً مُقرِّباً إليه ، وفِعْلاً مُزلِفاً لديه ، وأَعُوذُ به من الشَّوائبِ المُحْبِطات  للأعمال ، وأسألُه التوفيقَ لمحابه في الأفعالِ [ والأقوالِ ، وأن يعودَ على زللي ]([11]) بتجاوزه وغفرانه ، وعلى خَطَئي بتلافيه ([12]) وجنَانِه ، وأن يجعلَني ممن سَعِد بِكِتَابِه ، وحظي فيه بجزيلِ ثَوابه ، ووفَّقَهُ في جميع أمورِهِ ، فما التوفيقُ إلا بِهِ .

 

 

 

 

ذكر نبذة من فضائل([13])

 

(1/ب)

 

أبي القاسم ، ومولده ، ووفاته ، وشيوخه / y أجمعين

 

كان عالِماً بكتابِ اللهِ ، بقراءاتِهِ وتفسيرِهِ ، عَالِمًا بحديث رسول الله، مبرِّزَاً فيه ، وكان إذا قُرِئَ عليه البخاريُّ ومسلمٌ والموطأُ يُصَحِّحُ([14]) النُّسَخَ من حفظه ، ويُمْلي النُّكتَ على المَوَاضِع المحتاجِ إلى ذلك فيها .

 

وأَخْبَرَنِي : أنَّه نَظَمَ في كتا بِ التَّمْهِيد [لابن عبد البَر رحمه الله ]([15])  قصيدةً داليةً في خمسمائة بيتٍ من حفظِهِ ، أحاطَ بالكتابِ عِلماً ، وكان مُبرِّزاً في علمِ النَّحو والعربية ، عَارفًا([16])  بِعِلمِ الرؤيا ، حَسَنَ المقاصِدِ ، مُخْلِصَاً فيما يقولُ ويفعل .

 

قال رحمه الله : (( لايقْرأُ أحدٌ قصِيدَتي هذه إلا ويَنْفَعُه الله U بها لأنني نَظَمْتُهَا للهِ سُبحَانه )) .

 

وكان يجتنبُ فُضُولَ القولِ ، ولايتكلمُ في سَائِر أوقاتهِ إلا بما تدعو إليه ضرورةٌ ، ولا يجلسُ للإقراء إلا على طهارةٍ في هيئةٍ حَسَنةٍ ، وخضوعٍ واستكانةٍ ، ويمنعُ جُلَسَاءهَ من الخوضِ والحديثِ في شيءٍ  إلا في العلمِ والقُرْآن .

 

وكان يعتلُّ العِلَّة الشَّدِيدةَ فلا يشتكي ولايتَأوَّه ، وإذا سُئِل عن حالِهِ قال : ( العافية ) لايزيدُ على ذلك .

 

وذكرتُ له يوماً جَامِعَ مصر([17])  ، وقلتُ : قد قيل : إنَّ الأذَانَ يُسمَعُ فيه مِنْ غَيْرِ المؤذِّنين ولايُدرى ماهو؟ .

 

فقال : قد سَمِعْتُه مِرَارَاً لا أُحصيها عند الزَّوَال([18]) .

 

وقال لي يوماً : جَرَتْ بيني وبين الشيطان مخاطبةٌ ، فقال لي : فعلتَ كذا فسأُهلِكُك

 

فقلتُ له : واللهِ ما أبالي بك .

 

وقال لي يوماً :كنتُ في الطريق وتخلَّفَ عنَّي من كان معي ، وأنا على الدابَّةِ ، وأقبل اثنانِ فسَبَّني أحدُهما سبَّاً قبيحاَ ، وأقبلتُ على الاستعاذة ، وبَقي كذلك ما شاء الله ، ثم قال له الآخر : دَعْهُ ،وفي تلك الحال لَحِقَني من كان معي ، فأخبرتُه بذلك فطلبَ([19]) يميناً وشِمَالاً فلم يَجدْ أحداً .

 

وكان رحمه الله يَعْذِلُ([20]) أصحابه في السِّر على أشياء لا يعلمها منهم إلا الله، وكان يَجْلِسُ إليه من لم يعرفه فَلا يَرْتاب في أنه يُبْصِرُ لأنه لذكائه لا يظهرُ منه ما يظهرُ من الأعْمَى في حركاتِهِ .

 

وُلِدَ في آخرِ سَنة ثمانٍ وثلاثين وخمسِ مائة ، ومات في يوم الأحد بعد صلاة العصر وهو اليوم الثامن بعد العشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين ، ودُفِنَ يوم الاثنين في مقبرة البِيسَانِي ، وتُعْرَف تلك الناحيةُ ( بسارية ) ، وصلى عليه أبو إسحاق المعروف بالعراقي([21]) إمامُ جَامِعِ مصر يومئذ .

 

أخذ القراءةَ عن الشيخ الإمام  الزَّاهد أبي الحسن بن هُذَيْل([22]) ، عن أبي داود([23]) ، عن أبي عمروٍ الداني([24]) رحمهم الله .

 

وأخذها أيضاً عن أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النَّفْزِي([25]) ، وقد رأيت أنْ أَذْكُرَ ما كتباه له لما في ذلك من معرفة سنده المتصل بالأئمة السبعة، ثم أذكرَ إن شاءَ الله عند ذكرِ الأئمة السبعة اتصالَ قراءاتهم برسول الله، إذ لابد من معرفة ذلك لمن ترجع قراءته إلى هذا السند .

 

نقلتُ من كتاب أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النَّفْزِي الذي كتبه له :

 

الحَمدُ لله الواحدِ الصَّمدِ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ، ولم يكنْ لَه كفواً أحد ، هو الذي خلق الأنامَ بحكمتهِ ، وفَطرَ السمواتِ والأرضَ بقدرتهِ ، الأولُ بلا عديل ، والآخرُ بلا مثيل ، والأحدُ بلا نظير ، والقاهرُ بلا ظهير ، ذو العظمةِ والملكوتِ ، والعزةِ  والجبروتِ([26]) ، هو الذي لا يؤوده حفظُ ما ابتدأ ، ولا تدبير ما بدأ ، جَلَّ عن تحديدِ الصِّفات ، فلا يُرام بالتدبير ، وخَفيَ عن الأفْهَامِ ، فلا يُقاسُ بالتفكير ، لا تتصرف به الأحوالُ ، ولا يُضربُ له الأمثالُ ، له المثلُ الأعلى والأسماءُ الحسنى .

 

أحمَدُهُ حَمْدَ مَنْ شَكرَ نعماءه ، ورَضِي في الأمورِ بكُلِّ ما قضاه ، وأُومنُ به إيمانَ من أخلصَ عبادتَه ، واستشعَرَ طاعتَه ، وأَتوكلُ عليه توكلَ مَنْ وِثِقَ به وفوَّضَ إليه .

 

(2/أ)

 

وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له شهادةَ منِ اعترف له بالوحدانيةِ والربوبية ، وأُقِرُّ له / بالصَّمَدَانيةِ والأُلوهية .

 

وأشهدُ أنَّ مُحَمَّداً عبدُه المُصْطَفَى ، ورسُولُه المُرتَضى ، بعثَه إلى الثَّقَلين بالدين القيم ، والبُرهانِ المُبين ، بكتابٍ عزيزٍ حكيم ، معجزِ التآليف والنظامِ ، بائِنٍ عن جميع  الكلام ، خارجٍ عن تحبيرِ المخلوقين ، } تنزيلٌ مِنْ رَبِّ العَلِمِين {([27]) .

 

فرَضَ فيه الفَرائِضَ ، وأَوْضحَ فيه الشَّرَائعَ ، وأَحَلَّ وحَرَّمَ ، وأَدَّبَ وعَلَّمَ ، وأَنزلَه بأيسر الوجوه وأفصحِ اللغاتِ ، وأَذِنَ فيه بتغايرِ الألفاظِ واختلافِ القراءاتِ ،وجَعلَه مُهيمَناً على كلَّ كتابٍ أنزلَه قبلَ القُرآنِ ، ووعدَ مَنْ تلاه حقَّ تلاوته بجزيل الأجرِ والثوابِ والرضوان([28]) ، وحفظه اللهُ من تحريفِ المبطلين ، وخطل الزائفين ، وأورثه من اصطفاه من خليقته ، وارتضاه من بريته ، فهم خاصُّ عبادِه ، ونورُ بلادِه ، فلله الحَمْدُ على ما أنعم وأولى ، ووهب وأعطى من الآية التي لا تحصى ، ونَعْمَائِهِ التي لاتَخْفَى .

 

وصلَّى اللهُ على نبيه محمدٍ أمينِ وحيهِ ، وخاتمِ رسلهِ ، صلاةً زاكيةً تامةً على مرِّ الزمن ، وتتابع الأممِ ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه المنتخَبِين ، وأزواجِه أمهاتِ المؤمنين ، ثم السَّلام عليه وعليهم أجمعين .

 

([1]) قوله : [ القاطع برهانه ] في (ع) [ الصادع برهانه ] .

 

([2]) مابين المعقوفتين أثبتناه من (ع) وهو في الأصل مشوب بسواد .

 

([3]) الآية (78)من سورة آل عمران .

 

([4]) الآية (42) من سورة فصلت .

 

([5]) أول النهار وآخره عند الغروب مختار الصحاح ( غدا ) ص/470 .

 

([6]) قَطَر الجفن بالدمع خشيةً لله .

 

([7]) جاد بالدمع دلوه .

 

([8]) أي : الفائضة بالمطر . انظر : مختار الصحاح لأبي بكر الرازي مادة ( همل )  ص / 699 .

 

([9]) قوله : [ أذكر ] في (ت) [ذكرتُ ] .

 

([10]) قوله : [ وسميته ] في (ع) [ وأسميه ] .

 

([11]) خرم في الأصل .

 

([12]) أي : بتداركه .

 

([13]) انظر قسم الدراسة من هذه الرسالة ففيه أخبار هذا الإمام الذي أجمع على ولايته وعلمه .

 

([14]) قوله : [يصحح النسخ من.. ] في (ع) [يصحح عليه النسخ من ..] .

 

([15]) مابين المعقوفتين سقط من (ت) ، تأتي ترجمة ابن عبدالبر في موضعٍ آخر .

 

([16]) قوله : [ عارفاً بعلم ] في (ع) [ عالماً بعلم ] .

 

([17]) هو جامع عمرو بن العاص بالفسطاط ، ويقال عنه : الجامع العتيق .

 

([18]) إكرام الله لأهل القرآن واسع ، ومِنَحُه لا تحصى ، وهذا من كرامات الله لأحبابه وصفوة خلقه .

 

([19]) قوله : [ فطلب ] في (ت) [ فنظر ] .

 

([20]) عَذَلّ ( العَذل ) الملامة ، ويقال : ( عَذَلَه ) أي لام نفسه .(انظر مختار الصحاح مادة ( عذل ) ص /421 ) والمعنى :يلوم أصحابه وتلامذته في أفعالٍ فعلوها في السر .

 

([21]) أبو إسحاق إبراهيم بن منصور بن المسلَّم ، الفقيه الشافعي المصري ، المعروف بالعراقي ، الخطيب بجامع مصر ، كان فقيهاً فاضلاً ، شرح كتاب المهذب ، ولم يكن بالعراق ، وإنما سافر إلى بغداد واشتغل بها مدة فنسب إليها لإقامته بها تلك المدة ثم عاد إلى مصر ، وتولى  الخطابة بجامعها العتيق والإمامة به ، ولم يزل إلى حين وفاته ، توفي سنة ست وتسعين وخمسمائة بمصر .

 

( وفيات الأعيان 1/33 )

 

([22]) الإمام علي بن محمد بن علي بن هذيل البلنسي ، المقرئ ، الزاهد ، لازم أبا داود ، ونشأ في حجره لأنه كان زوج أمه ، فقرأ عليه القراءات ، وسمع منه شيئاً كثيراً ، وهو أجلُّ أصحاب أبي داود وأثبتهم ، كان منقطع القرين  في الفضل والدين والورع ، والزهد مع العدالة والتواضع والإعراض عن الدنيا ، صواماً ،  قواماً ، كثير الصدقة ، قرأ عليه الشاطبي وخلق لا يحصون . توفي سنة أربعٍ وستين وخمسمائة .

 

( معرفة القراء الكبار 2/ 517- غاية النهاية 1/573 )

 

([23]) هوسليمان بن أبي القاسم نجاح أبو داود المقرئ شيخ الإقراء ومسند القراء وعمدة أهل الأداء ، أخذ القراءات عن أبي عمرو الداني ولازمه ، قرأ عليه خلق كثير منهم : أبو عبد الله بن سعيد الداني ، وأبو علي الصدفي ، وأبو العباس الثقفي كان من جملة المقرئين وفضلائهم ، عالماً بالقراءات وطرقها حسن الضبط ، ثقة . توفي سنة ست وتسعين وأربعمائة .

 

( معرفة القراء 1/450- غاية النهاية 1/316 )

 

([24]) هو عثمان بن سعيد بن عثمان أبو عمرو الداني القرطبي ، الإمام ، العلم المعروف في زمانه ، قرأ على خلف ابن إبراهيم بن خاقان ، وأبي الفتح فارس وابن غلبون ، قرأ عليه ابن الفصيح ، وابن الدش ، وأبو داود سليمان ابن  نجاح ، كان أحد الأئمة في علم القرآن ، رواياته وتفسيره ، ومعانيه وطرقه وإعرابه ، مجاب الدعوة ، مالكي   المذهب  ، من أهل الحفظ والذكاء ، والتفنن ، ديناً فاضلاً ، ورعاً سنياً ، توفي سنة أربع وأربعين وأربع مائة .

 

( معرفة القراء ، 1 / 406 - غاية النهاية 1/ 503 )

 

([25]) الإمام أبو عبد الله محمد بن العاص النفزي المقرئ ، أخذ القراءات ، وجوَّدها عن أبي عبد الله بن سعيد   الداني ، وكان ديناً خيراً  بصيراً بالروايات ، وعنه أخذ أبو عبد الله بن سعادة ، وأبو القاسم الرعيني الشاطبي ، وهو قديم الوفاة ، وأظنه توفي قبل ابن هذيل . توفي سنة بضعٍ وخمسين وخمسمائة .

 

( معرفة القراء الكبار 2/ 546- غاية النهاية 2/ 204 )

 

([26])قولـه : [والعزة والجبروت ، هو الذي ] في ( ع ) و ( ت )[ والعزة والجبروت ، الحي الذي لا يموت هو الذي ] .

 

([27]) الآية (43) من سورة الحاقة .

 

([28]) قوله : [ والثواب والرضوان ] في ( ع ) [ والثواب والغفران والرضوان] .

{2و3.} أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات 

2. الفصل الثاني : قصيدة الشاطبية  وفيه عدة مباحث  :  المبحث الأول : أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات    المبحث الثاني : صفاتها ومزاياه...