صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الأربعاء، 14 أبريل 2021

الْبَاب الرَّابِع حَقِيقَة الْكَلَام مَعَ الْمجَاز من كتاب أصول الفقه المسمى إجابة السائل شرح بغية الآمل وإرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول المنطوق والمفهوم



أصول الفقه المسمى إجابة السائل شرح بغية الآمل
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْبَاب الرَّابِع حَقِيقَة الْكَلَام مَعَ الْمجَاز
... بَاب حوى حَقِيقَة الْكَلَام ... مَعَ الْمجَاز فاستمع نظامي ...
الْحَقِيقَة فعلية من حق الشَّيْء بِمَعْنى ثَبت
وَمن قَوْله تَعَالَى {وَلَكِن حقت كلمة الْعَذَاب على الْكَافرين}
وَهِي إِمَّا بِمَعْنى الْفَاعِل أَي الثَّابِت فالتاء فِيهَا للتأنيث أَو بِمَعْنى الْمُثبت من حققت الشَّيْء أحقه بِمَعْنى أثْبته فالتاء فِيهَا للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية كالنطحية وَلذَا لَا يُقَال بَهِيمَة نطيحة وَقد نقلت إِلَى اللَّفْظ الْمَوْضُوع بِالْمَعْنَى الاصطلاحي الَّذِي يفِيدهُ قَوْلنَا ... وَعرفت بِالْكَلِمَةِ المستعمله ... فِي الِاصْطِلَاح فَالَّذِي تُوضَع لَهُ ...
عرفهَا أي الحقيقة عرفها أَئِمَّة الْبَيَان وَغَيرهم
بِالْكَلِمَةِ المستعملة بِمَا وضعت لَهُ فِي اصْطِلَاح التخاطب
فَخرج بِالْأولِ الْمُهْملَة وَمَا وضع وَلم يسْتَعْمل فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز وَخرج بِقَيْد اصْطِلَاح التخاطب الصَّلَاة إِذا استعملها الْمُتَكَلّم باصطلاح الشَّرْع فِي الدُّعَاء فَإِنَّهَا مجَاز بِالنّظرِ إِلَيْهِ وَدخلت فِي الْحَد بِالنّظرِ إِلَى اسْتِعْمَالهَا بِالْعرْفِ الشَّرْعِيّ فِي الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهَا حَقِيقَة وَلما كَانَت لَهَا أَقسَام أفادها قَوْلنَا
.. أقسامها أَصْلِيَّة عرفية ... تعم أَو تخص والشرعية ...
قسم الْعلمَاء الْحَقِيقَة إِلَى لغوية وَهِي مَا يكون واضعها وَاضع اللُّغَة وضعا أَصْلِيًّا وعرفية وَهِي مَا تغلب فِي الْعرف فِي غير مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ وَهِي قِسْمَانِ إِن لم يتَعَيَّن ناقلها فعرفية عَامَّة ومثلوها بِلَفْظ الدَّابَّة فَإِنَّهَا فِي اللُّغَة بِكُل مَا يدب فخصصها الْعرف الْعَام بذوات الْأَرْبَع أَو تعين ناقلها فَهِيَ الْخَاصَّة وَذَلِكَ كألفاظ اصْطِلَاحَات أهل الْعُلُوم وَغَيرهم كالرفع وتخفض لألقاب الْإِعْرَاب وكل أهل فن لَهُم أَلْفَاظ مصطلحة فالعموم وَالْخُصُوص فِي الْعُرْفِيَّة من حَيْثُ تعين النَّاقِل وَعَدَمه والشرعية هِيَ مَا اسْتُفِيدَ وَضعهَا من الشَّارِع كَالصَّلَاةِ لذات الْأَركان والأذكار وَالزَّكَاة لأخراج جُزْء معِين بِتَعْيِين الشَّارِع من المَال وَمِنْهَا الدِّينِيَّة وَهَذِه مَا نقلت إِلَى أصُول الدّين كالإيمان وَالْفِسْق وَالْمُؤمن وَالْفَاسِق وَنبهَ النّظم عَلَيْهَا بقوله فِيمَا يَأْتِي دينية مِنْهَا للْإِشَارَة إِلَى أَنَّهَا لَيست بقسم مُسْتَقل بل هِيَ دَاخِلَة فِي الشَّرْعِيَّة وَإِنَّمَا جعلهَا الْمُتَأَخّرُونَ قسما مُسْتقِلّا وَإِلَّا فَهِيَ شَرْعِيَّة والمتقدمون أدمجوها فِيهَا ثمَّ للْحَقِيقَة تَقْسِيم آخر وَهُوَ بِاعْتِبَار تعدد اللَّفْظ وَالْمعْنَى أَو اتحادهما فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَقسَام
الأول أَفَادَهُ قَوْلنَا ... دينية مِنْهَا فَإِن تعدّدت ... لفظا وَمعنى فبذا تباينت ...
الضَّمِير للْحَقِيقَة أَي تعدّدت الْحَقِيقَة لفظا وَمعنى أَو الْكَلِمَة الدَّالَّة عَلَيْهَا قرينَة الْكَلَام وَهُوَ أولى لِأَن الْمَعْرُوف عِنْدهم تَقْسِيم الْكَلِمَة إِلَى ذَلِك أَعم من كَونهَا حَقِيقَة أَو مجَازًا وَهُوَ أولى لِأَن الْمَعْرُوف عِنْدهم تَقْسِيم الْكَلِمَة إِلَى ذَلِك أَعم من كَونهَا حَقِيقَة أَو مجَازًا وَذَلِكَ كالإنسان وَالْفرس والسواد وَالْبَيَاض وَتسَمى متباينة لتباينها دلَالَة ولفظا كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلنَا فبذا تباينت وَهَذَا الْقسم الأول
(1/263)
وَالثَّانِي وَهُوَ بِاعْتِبَار الِاتِّحَاد لفظا وَمعنى أَفَادَهُ بقوله
مَا لم فَإِن يتحدا فمنفرد
أَي مَا لم يَتَعَدَّد لفظا وَمعنى وَهُوَ يَنْقَسِم أَيْضا فَإِن اتَّحد اللَّفْظ وَالْمعْنَى بِأَن وجد المُرَاد فِي لفظ وَاحِد لَا تعدد فِيهِ الْبَتَّةَ فَإِنَّهُ الْمُنْفَرد فَيدْخل فِيهِ الجزئي الْحَقِيقِيّ كزيد والإضافي كالإنسان بِالنّظرِ إِلَى الْجِنْس فَإِن مَفْهُومه وَاحِد من هَذِه الْجِهَة فالمتواطىء والمشكك لَيْسَ بداخلين تَحت هَذَا الْقسم بل هما قسم مُسْتَقل وَمن النَّاس وَهُوَ الْأَكْثَر من يجعلهما من هَذَا الْقسم المتحد لفظا وَمعنى
الْقسم الثَّالِث قَوْله
وَإِن تعدد لَفظه ويتحد ... مَعْنَاهُ مِنْهَا فَهُوَ بالترادف
مَعْنَاهُ مِنْهَا أَي مَا تعدد لَفظه واتحد مَعْنَاهُ فَهُوَ الْقسم الْمَعْرُوف بالترادف أَي يُسمى بِهِ وَهُوَ معنى قَوْلنَا فِي صدر الْبَيْت الْآتِي يدعى وَهُوَ فِي عرف الْأُصُولِيِّينَ توالي الْأَلْفَاظ المفردة الدَّالَّة على شَيْء وَاحِد بِاعْتِبَار وَاحِد وَذَلِكَ كالإنسان والبشر والأسد وَاللَّيْث وفوائده كَثِيرَة مِنْهَا أَنه قد يضْطَر إِلَى لفظ ليُوَافق القافية والروي وَيحْتَاج إِلَيْهِ فِي رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى وَغير ذَلِك
وَالْقسم الرَّابِع مَا أَفَادَهُ قَوْله
يدعى واما عَكسه فاستأنف
أَي عكس مَا قبله وَهُوَ مَا اتَّحد لَفظه وتعددت مَعَانِيه بِحَيْثُ لَا يمْنَع تصور مَعْنَاهُ من وجود الشّركَة فِيهِ وَقَوله فاستأنف جَوَاب إِمَّا أَي اسْتَأْنف تقسيمه فَهَذَا تَقْسِيم مُسْتَأْنف وَهُوَ قِسْمَانِ
(1/264)
الأول وَهُوَ المُرَاد من قَوْله ... إِن وضع اللَّفْظ بِأَمْر كلي ... فِيهِ اشتركن فاستمع مَا أملي ...
أَي إِن وضع اللَّفْظ بِتِلْكَ الْمعَانِي بِاعْتِبَار أَمر كلي اشتركن أَي الْمعَانِي فِيهِ ... فَإِنَّهُ مشكك للنَّظَر ... إِن كَانَ بعض مِنْهُ أولى فَانْظُر ...
أَي فَإِنَّهُ يُسمى مشككا إِن تفاوتت أَفْرَاده بأولية أَو أَوْلَوِيَّة كَمَا أَفَادَهُ قَوْلنَا إِن كَانَ بعض مِنْهُ أولى ومثاله قَوْله ... مِثَاله الْمَوْجُود للرحمن ... سُبْحَانَهُ وَلِلْحَدِيثِ الفاني ...
فَإِن لَفْظَة مَوْجُود تطلق عَلَيْهِ تَعَالَى وَتطلق على الْمَخْلُوق الْمُحدث فالباري بهَا أَحَق وَأولى لِأَن مَعْنَاهُ فِي حَقه أقدم وَأتم وَقَوْلنَا إِن كَانَ بعض مِنْهُ أولى يَشْمَل مَا ذكر ويشمل مَا كَانَت الْأَوْلَوِيَّة بِاعْتِبَار الشدَّة والضعف كالبياض يُطلق على الثَّلج والعاج مثلا فَإِنَّهُ أَشد مِنْهُ فِي الثَّلج وَأقوى من العاج وَهَذَا أول الْقسمَيْنِ وَهُوَ المشكك سمي بذلك لِأَنَّهُ أوقع النَّاظر فِي الشَّك هَل هُوَ متواطىء نظرا إِلَى اشْتِرَاك الْأَفْرَاد فِي أصل الْمَعْنى أَو مُشْتَرك نظرا إِلَى التَّفَاوُت الْمَذْكُور
وَالثَّانِي أَفَادَهُ قَوْلنَا ... وَإِن يكن يُطلق بالسويه ... فهوالتواطؤ بِغَيْر مريه ...
أَي وَإِن لم تَتَفَاوَت افراده بالأولوية بل أطلق عَلَيْهَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِنَّهُ يُسمى بالمتواطىء وَذَلِكَ كالإنسان فَإِن دلَالَته على أَفْرَاده مُتَسَاوِيَة فَإِن الإنسانية فِي زيد لَيست بِأولى مِنْهَا فِي عَمْرو وَلَا أقدم وَلَا أتم وَيُسمى متواطئا أخذا من التواطؤ وَهُوَ التوافق وَإِذا عرفت هَذَا فَإِنَّهُ دخل تَحت الْقسم الرَّابِع وَهُوَ مَا اتَّحد لَفظه وتعددت مَعَانِيه ثمَّ فِيهِ أَقسَام يفيدها قَوْلنَا (1/265)
.. أَو تخْتَلف حقائق الْمعَانِي ... فالجنس أولى فتراه الثَّانِي ...
أَي مَا اتَّحد لَفظه وتعددت مَعَانِيه لَا يَخْلُو مَا إِن تخْتَلف حقائق الْمعَانِي الدَّاخِلَة تَحْتَهُ فَهُوَ الْجِنْس فَإِن حَقِيقَته الْمَقُول على الْكَثْرَة الْمُخْتَلفَة الْحَقَائِق فِي جَوَاب مَا هُوَ مِثَاله الْحَيَوَان فَإنَّك إِذا قلت مَا الْفرس وَالْإِنْسَان مثلا كَانَ السُّؤَال عَن تَمام الْمَاهِيّة الْمُشْتَركَة بَينهمَا فَيُقَال فِي جَوَابه حَيَوَان وَهَذَا هُوَ أحد الكليات الْخمس الْمَعْرُوفَة فِي فن الْمنطق
وَالثَّانِي من أَقسَام مَا نَحن بصدده أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله أولى فتراه الثَّانِي أَي وَلَا تخْتَلف حقائق مَا تَحْتَهُ فَهُوَ الْقسم الثَّانِي وَيُسمى نوعا كَمَا يفِيدهُ قَوْلنَا الْآتِي أَعنِي بِهِ النَّوْع وعرفوه بِمَا يُقَال على الْكَثْرَة المتفقة الْحَقِيقَة فِي جَوَاب مَا هُوَ وَذَلِكَ كالإنسان فَإنَّك إِذا قلت مَا زيد وَمَا عَمْرو مثلا كَانَ سؤالا عَن تَمام الْمَاهِيّة الْمُشْتَركَة بَينهمَا فَيُقَال إِنْسَان لِأَنَّهُ النَّوْع الَّذِي طُولِبَ بالسؤال لِأَنَّهُ سُؤال عَن طلب الْحَقِيقَة فَأُجِيب بِمَا يطابقه فتحقيق هَذِه مَوْضِعه علم الْمنطق وَقد عرفت معنى صدر قَوْلنَا ... اعني بِهِ النَّوْع وَبَعض يعكسه ... أَمْثَالهَا وَاضِحَة لَا تلبس ...
وَهَذِه إِشَارَة إِلَى أَن الَّذِي سلف عرف أهل علم الْمنطق وَأما الأصوليون وَهُوَ المُرَاد بِالْبَعْضِ فَإِنَّهُم يعكسون فَيَقُولُونَ للْجِنْس النَّوْع وللنوع الْجِنْس فيجعلوه المندرج جِنْسا والمندرج تَحْتَهُ نوعا وَهَذَا اصْطِلَاح لَا مشاحة فِيهِ وَإِلَى هُنَا تقاسيم الْمُشْتَرك الْمَعْنَوِيّ الدَّاخِل تَحت قَوْله إِن وضع اللَّفْظ بِأَمْر كلي وَهُوَ من الْقسم الرَّابِع كم عرفت وَهُوَ المتحد لفظا المتعدد معنى وَمَا اتَّحد لَفظه وتعددت مَعَانِيه فَهُوَ الْقسم الَّذِي أَفَادَهُ قَوْلنَا ... وَإِن وضعت اللَّفْظ للمعاني ... لَكِن لفظ مِنْهُ وضع ثَانِي ...
وَهَذَا الْقسم الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ وَهُوَ قسيم الْمُشْتَرك الْمَعْنَوِيّ الَّذِي عَرفته إِذْ هما مَعًا داخلان تَحت مقسم وَاحِد وَهُوَ المتحد لفظا المتعدد معنى كَمَا عرفناك وَلذَا قُلْنَا
(1/266)
فَإِنَّهُ الْمُشْتَرك اللَّفْظِيّ
ودونك الْمجَاز يَا مرضِي ... إِلَى اشْتِرَاك بَينهَا مرعيا
فسمه مُشْتَركا لفظيا
فَقَوله إِن وضعت أَي اللَّفْظ الْوَاحِد كَمَا دلّ قَوْله بِكُل لفظ وَدخل الْمُنْفَرد فِي هَذَا وَخرج بقولنَا للمعاني لِأَن الْمَعْنى فِيهِ مُتحد كَمَا عرفت وَقَوله لكل لفظ مِنْهُ وضع ثَان فصل يخرج بِهِ المشكك والمتواطىء وَقَوله مرعيا إِيضَاح يُرَاد بِهِ أَن الِاشْتِرَاك الْمَقْصُود هُوَ مَا روعي فِي أصل الْوَضع ولوحظ بِخِلَاف الِاشْتِرَاك فِي مُجَرّد اللَّفْظ وَلَيْسَ مِمَّا يُرَاعِي فِي أصل الْوَضع ويستقل بالإفادة
وَمِثَال مَا جمع الْقُيُود لفظ الْعين يُطلق على الباصرة وعَلى الفوارة وعَلى عين الشَّمْس وَعين الذَّهَب وكالقرء للطهر وَالْحيض وعسعس لأقبل وَأدبر فَكل وَاحِد من هَذِه وضع لكل معنى على انْفِرَاده وضعا مُسْتقِلّا من غير اشْتِرَاك بَينهَا فِي أَمر روعي
وللعلماء خلاف فِي وُقُوعه فالجمهور عَلَيْهِ وَخَالف أَئِمَّة وَقَالُوا لَا يَقع قَالُوا لِأَن الْغَرَض من وضع الْأَلْفَاظ فهم الْمَعْنى الْمَقْصُود للمتكلم والاشتراك يخل بذلك فَيكون وَضعه سَببا للمفسدة والواضع حَكِيم لَا يجوز عَلَيْهِ ذَلِك وَأجِيب بِأَن قَرَائِن السِّيَاق وَالْمقَام تحصل غَرَض الْمُتَكَلّم وَمَعَ الْقَرَائِن تذْهب الْمفْسدَة وَلَا نسلم خلو الْمقَام والسياق من قرينَة وَهُوَ وَاقع فِيمَا مثلناه
قَالَ الْمَانِع من وُقُوعه هَذِه الْأَمْثِلَة مَحْمُولَة على أَنَّهَا من بَاب الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَأجِيب بِأَنَّهُ يسْتَعْمل الْقُرْء فِي الْحيض وَالطُّهْر على سَبِيل الْبَدَل من غير تَرْجِيح وَمَا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ مُشْتَرك وَالْقَوْل بِخِلَاف هَذَا وإطالة الردود قَول بِخِلَاف الظَّاهِر وَأما إِطْلَاق الْمُشْتَرك على جَمِيع مَعَانِيه فَفِيهِ أبحاث فِي مطولات الْفَنّ لَا يَتَّسِع هَذَا الْمُخْتَصر بتطويله بهَا وَالْمَقْصُود من الْحَقِيقَة وأقسامها قد وفى بِهِ مَا أسلفناه نظما ونثرا
وَعند الْفَرَاغ مِنْهُ أَخذنَا فِي الْمجَاز فَقُلْنَا
(1/267)
فصل حوى الْكَلَام فِي الْمجَاز
مُخْتَصرا لمقْتَضى الإيجاز
الْمجَاز لُغَة العبور والانتقال نقل إِلَى مَا ذكر من اسْتِعْمَال اللَّفْظ فِي غير مَا وضع لَهُ لعلاقة بِشَرْط الْقَرِينَة لِأَن الْمجَاز بِاعْتِبَار مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ طَرِيق إِلَى مَعْنَاهُ الْمُسْتَعْمل فِيهِ ورسمه اصْطِلَاحا أَفَادَهُ قَوْله
ورسمه اللَّفْظ الَّذِي يسْتَعْمل
فِي غير مَوْضُوع لَهُ قد نقلوا ... فِي عرف من يُطلق للعلاقة
قد صَحِبت قرينَة إِطْلَاقه
أَي حَقِيقَة الْمجَاز هُوَ اللَّفْظ الَّذِي يسْتَعْمل فِي غير مَوْضُوع فِي عرف من يُطلقهُ للعلاقة مَعَ قرينه فقولنا اللَّفْظ الَّذِي يسْتَعْمل فِي غير مَوْضُوع خرج بِهِ اللَّفْظ قبل الِاسْتِعْمَال بعد الْوَضع فَإِنَّهُ لَيْسَ بمجاز وَلَا حَقِيقَة والظرف مُتَعَلق بيستعمل فَخرجت الْحَقِيقَة وَقَوله فِي عرف من يُطلق أَي يُطلق اللَّفْظ يدْخل بِهِ الصَّلَاة فِي عرف الشَّرْع إِذا اسْتعْملت فِي الدُّعَاء مجَازًا فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ اسْتِعْمَالا فِيمَا وضع لَهُ أَصَالَة فَلَيْسَ بمستعمل فِي عرف من يُطلقهُ اعني الشَّارِع وَخرج بِهِ أَيْضا لفظ الصَّلَاة إِذا اسْتعْملت فِي عرف الشَّرْع وَقَوْلنَا للعلاقة يخرج الْغَلَط نَحْو خُذ هَذَا الْكتاب مُشِيرا بِهِ إِلَى فرس فَإِنَّهُ وَإِن صدق عَلَيْهِ أَنه اسْتعْمل فِي غير مَا وضع لَهُ لَكِن لَيْسَ لعلاقة والعلافة بِالْفَتْح تطلق على الْمعَانِي كعلاقة الْحبّ وبالكسر على الْأَعْيَان كعلاقة السَّيْف وَالْمرَاد بهَا هُنَا تعلق مَا للمعنى الْمجَازِي بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيّ
وَاعْلَم أَنه لَا بُد لكل مجَاز من علاقَة وقرينة فالعلاقة هِيَ المجوزة للاستعمال والقرينة هِيَ الْمُوجبَة للْحَمْل عَلَيْهِ وَقَوله مَعَ قرينَة أَي مفيدة للمعنى الْمجَازِي صارفة للفظ عَن مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ إِلَى مَعْنَاهُ الْمجَازِي وَبِه تخرج الْكِنَايَة لِأَنَّهَا مستعملة فِي غير مَا وضع اللَّفْظ لَهُ مَعَ جَوَاز إِرَادَة الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ قإن قلت مَا الْفرق بَين قرينَة الْمجَاز وقرينة الْمُشْتَرك قلت الْفرق
(1/268)
وَاضح لِأَن قرينَة الْمُشْتَرك مُعينَة للمعنى المُرَاد من اللَّفْظ الْحَقِيقِيّ وقرينة الْمجَاز صارفة عَن إِرَادَته أَي الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ ومقيدة لَهُ إِن قلت تعْيين الْقَرِينَة أحد مَعَاني الْمُشْتَرك صارفة أَيْضا للمعنى الآخر قلت لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهَا إِلَّا التَّعْيِين وَإِن استلزمت الصّرْف فَلَيْسَتْ فِيهِ مَقْصُودَة لأجل الصّرْف بل لأجل التَّعْيِين وَالْحَاصِل أَن الْمُشْتَرك مَوْضُوع للدلالة بِنَفسِهِ وَإِنَّمَا حصل الْإِيهَام من الِاسْتِعْمَال فَكَانَت قرينته لتعيينه بِخِلَاف قرينَة الْمجَاز فَإِنَّهَا محصلة لأصل الْمَعْنى الْمجَازِي صارفة عَن الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ ثمَّ اعْلَم أَن العلاقة الْمشَار إِلَيْهَا قد تكون المشابهة وَقد تكون غَيرهَا فانقسم بِسَبَبِهَا الْمجَاز قسمَيْنِ مجَاز مُرْسل واستعارة أَشَارَ إِلَى الأول بقوله ... وَإنَّهُ نَوْعَانِ مِنْهَا الْمُرْسل ... كَالْيَدِ للنعمة فِيمَا مثلُوا ...
هَذَا هُوَ النَّوْع الأول وَهُوَ الْمجَاز الْمُرْسل وَهُوَ مَا كَانَت علاقته المصححة لإطلاقه غير المشابهة بَين الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ والمجازي وَلذَا سمي مُرْسلا لإرساله عَن التَّقْيِيد بالمشابهة كَمَا قيد بهَا قسيمه ومثلوه بِإِطْلَاق الْيَد على النِّعْمَة فِي قَوْلهم لفُلَان عِنْدِي يَد بعلاقة هِيَ كَون الْيَد الْجَارِحَة بِمَنْزِلَة الْعلَّة الفاعلية للنعمة من حَيْثُ أَنَّهَا مِنْهَا تصدر وَتصل إِلَى الْمَقْصُود بِالنعْمَةِ كَمَا تصل بِالْيَدِ إِلَى مَا يُرَاد والعلاقة تسمى السَّبَبِيَّة أَو الْمُلَازمَة والعلاقات قد عدت فِي فن الْبَيَان بِلَا زِيَادَة على عشْرين علاقَة وَلَا حَاجَة إِلَى استيفائها هُنَا لِأَن لَهَا فَنًّا آخر هُوَ علم الْبَيَان وَقد اسْتكْمل عَددهَا فِي شرح الْغَايَة الثَّانِي من نَوعه قَوْله ... ثَانِيهمَا يَدعُونَهُ استعاره ... كأنشب الْمَوْت بِهِ أَظْفَاره ...
(1/269)
سموهُ اسْتِعَارَة لانك مَعَ قصدك التَّشْبِيه كَأَنَّك استعرت لَهُ الصّفة الَّتِي أردْت اتصاف الْمُشبه بهَا وَهِي مجَاز لغَوِيّ وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَبَعْضهمْ يَجْعَلهَا مجَازًا عقليا وَهِي أَنْوَاع مِنْهَا الِاسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ وَبهَا مثل النَّاظِم وَهُوَ أَن الْمُتَكَلّم شبه الْمَوْت بالسبع بِجَامِع اغتيال النُّفُوس ورمز إِلَيْهِ بِمَا هُوَ من لَازمه والمثال إِشَارَة إِلَى قَول الشَّاعِر ... وَإِذا الْمنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تَمِيمَة لَا تَنْفَع ...
وَهُوَ الْأَظْفَار وَقَوله أنشبت ترشيح للاستعارة وَإِثْبَات الاظفار اسْتِعَارَة تخييلية وَالْقسم الثَّانِي من الِاسْتِعَارَة الِاسْتِعَارَة المصرحة مثل رَأَيْت أسدا فِي الْحمام فَإِنَّهُ استعير لفظ أَسد الشجاع وَأطلق عَلَيْهِ اسْتِعَارَة وأتى بِالْقَرِينَةِ وَهِي قَوْله فِي الْحمام
وَاعْلَم أَن أهل الْأُصُول يطلقون الْمجَاز على مَا يَشْمَل الْكِنَايَة وَهِي نَحْو فلَان طَوِيل النجاد كِنَايَة عَن طول الْقَامَة وَلَكنهُمْ يحذفون لفظ الْقَرِينَة من تَعْرِيف الْمجَاز فتعريفنا فِي النّظم على رَأْي أهل الْبَيَان فَإِنَّهُم يجْعَلُونَ الْكِنَايَة قسما مُسْتقِلّا لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز وَقد وَقع التَّقْيِيد بِمَا قيدنَا بِهِ فِي بعض كتب الْأُصُول ثمَّ اعْلَم أَنه قد يُطلق الْمجَاز على مَا يَشْمَل الْمُفْرد والمركب والإسناد وَإِلَيْهِ يُشِير قَوْله ... وَيدخل التَّرْكِيب والإفرادا ... كَمَا ترَاهُ يدْخل الإسنادا ...
أَي وَيَقَع الْمجَاز فِي الْمركب وَحَقِيقَته اللَّفْظ الْمُسْتَعْمل فِيمَا يشبه بِمَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ نَحْو أَرَاك تقدم رجلا وَتَأَخر أُخْرَى حَيْثُ يُرَاد بِهِ تَشْبِيه المتردد فِي أَمر بِصُورَة من قَامَ يذهب إِلَى حَاجَة فَتَارَة يُرِيد الذّهاب فَيقدم رجلا وَتارَة
(1/270)
لَا يُرِيد فيؤخر أُخْرَى فَاسْتعْمل الْكَلَام من غير تَغْيِير شَيْء مِنْهُ سَوَاء نَقله إِلَى هَذِه الصُّورَة تَشْبِيها بِتِلْكَ الصُّورَة وَتسَمى الِاسْتِعَارَة التمثيلية
وَقَوله والإفراد أَي أَنه يَقع الْمجَاز فِي الْمُفْرد وَتَقَدَّمت أمثلته فَالْمُرَاد من التَّرْكِيب فِي عبارَة النّظم والإفراد الْمركب والمفرد فهما مصدران بِمَعْنى اسْم الْمَفْعُول بِقَرِينَة قَوْله يدْخل الْإِسْنَاد فَإِن الْمجَاز الإسنادي هُوَ مجَاز التَّرْكِيب ومجاز الْإِسْنَاد هُوَ الْمُسَمّى بالمجاز الْعقلِيّ وَحَقِيقَته إِسْنَاد الْفِعْل أَو مَعْنَاهُ إِلَى ملابس لَهُ غير من قَامَ بِهِ عِنْد الْمُتَكَلّم نَحْو أنبت الرّبيع البقل وَجرى النَّهر وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يعرف من علم الْبَيَان تفاصيله وَلما عقد الأصوليون مَسْأَلَة معنوية بِأَنَّهُ إِذا دَار اللَّفْظ بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز حمل على الْمجَاز أَشَارَ إِلَيْهِ النَّاظِم بقوله ... فَمَا احْتمل الشّركَة والمجازا ... فبالمجاز عِنْدهم قد فازا ...
كلمة مَا شَرْطِيَّة جوابها فبالمجاز وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا إِذا احْتمل اللَّفْظ الشّركَة وَالْمجَاز حمل على الْمجَاز ومثلوه بِلَفْظ النِّكَاح إِذا علم كَونه حَقِيقَة فِي أحد معنييه كالعقد مثلا وَاحْتمل أَنه حَقِيقَة فِي الآخر وَهُوَ الْوَطْء فَيكون مُشْتَركا أَو لَا فَيكون مجَازًا فالحمل على الْمجَاز أولى فَإِن قلت إِن وجدت قرينَة الْمجَاز فَلَا يتَصَوَّر حمله على الْحَقِيقَة وَألا تُوجد فَلَا يتَصَوَّر حمله على الْمجَاز قلت أُجِيب بِأَن المُرَاد مَعَ الْقَرِينَة إِلَّا أَن الْغَرَض أَنه قد علم أَن أَحدهمَا حَقِيقَة وَإِنَّمَا التَّرَدُّد فِي الْمَعْنى الآخر هَل هُوَ حَقِيقَة فَيكون مُشْتَركا أَو لَا فَيكون مجَازًا وَإِنَّمَا تردد اللَّفْظ لجَوَاز أَن الْقَرِينَة قرينَة تعْيين الْمُشْتَرك لأحد أَفْرَاده هَكَذَا قيل وَلَا يَخْلُو عَن تَأمل
(1/271)
إِذا عرفت هَذَا وَقد عرفت أَن كلا من الِاشْتِرَاك وَالْمجَاز يُوقع الْخلَل فِي فهم السَّامع للمراد بسببهما قَالُوا فَيحمل على مَا هُوَ أقرب وَأولى إِلَى تقريب المُرَاد إِلَى الْفَهم وَفِي الْمَسْأَلَة مَعَ تشابهما أَقْوَال وَاسِعَة لَا يَتَّسِع لَهَا هَذَا التَّعْلِيق وَهِي من أبحاث المطولات وَقد طولهَا فِي الفواصل وَقيل بل يحمل على الِاشْتِرَاك قلت بل تَرْجِيح الْمجَاز على الِاشْتِرَاك أولى لِأَنَّهُ من إِلْحَاق الْفَرد الْمُتَنَازع فِيهِ بالأعم الْأَغْلَب فِي الِاسْتِعْمَال فَإِن الْمجَاز أغلب من الِاشْتِرَاك بل قيل إِنَّه غَالب اللُّغَة وَلما كَانَ للمجاز عَلَامَات وخواص يعرفانه ويتميز بهَا عَن الْحَقِيقَة وَقد أعدهَا أَئِمَّة الْأُصُول ببحث الْمجَاز قَالَ النَّاظِم ... خاصته بِأَنَّهُ لَا يطرد ... فِي كل مَا يصلح مِنْهُ أَن يرد ...
هَذِه الْعَلامَة الأولى الْخَاصَّة قَالُوا إِن من خَواص الْمجَاز عدم اطراده فِي مَدْلُوله قَالُوا النَّخْلَة فَإِنَّهَا تطلق مجَازًا على إِنْسَان طَوِيل وَلَا تطلق على غَيره مِمَّا فِيهِ طول بِخِلَاف الْحَقِيقَة فَإِنَّهَا تطرد فِي مدلولها وَأورد عَلَيْهِ ان هَذَا يُوجب أَنه لَا بُد من سَماع آحَاد الْمجَاز كالحقيقة وَقد قرروا أَنه مَوْضُوع وضعا نوعيا وَبِأَن من الْحَقَائِق مَا لَا يطرد فَلَا يكون خَاصّا بالمجاز كالقارورة لَا تطلق إِلَّا على الزجاجة لَا كل مَا يقر وَأَجَابُوا فِي المطولات بأجوبة غير ناهضة والعلامة الثَّانِيَة الْخَاصَّة قَوْله ... وَأَنه يصدق حِين ينفى ... وَغَيره وَالله حسبي وَكفى ...
هَذِه الْخَاصَّة مثلوها بقَوْلهمْ للبليد لَيْسَ بِحِمَار فَإِنَّهُ حَقِيقَة مَعَ أَنه يُطلق عَلَيْهِ ذَلِك مجَازًا وَقَوْلنَا وَغَيره أَي غير مَا ذكر مثل نَص أَئِمَّة اللُّغَة أَن هَذَا اللَّفْظ مجَاز أَو سبق غَيره إِلَى الْفَهم لَوْلَا الْقَرِينَة وَقد بسط فِي مطولات الْفَنّ فَإِنَّمَا ذكر أَئِمَّة الْأُصُول مهمات من قَوَاعِد الْفُنُون كالمنطق وَعلم الْبَيَان وَعند الْفَرَاغ من هَذَا الْفَصْل أَخذ فِي شرح الْخَامِس من الْأَبْوَاب فَقَالَ
======================
من ارشاد الفحول للشوكاني



[ فهرس الكتاب - فهرس المحتويات ]

إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول
ج / 2 ص -31- الباب السابع: في الظاهر والمؤول
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: في حدهما
فالظاهر في اللغة هو الواضح. قال الأستاذ، والقاضي أبو بكر: لفظه يغني عن تفسيره.
وقال الغزالي: هو المتردد بين أمرين، وهو في أحدهما أظهر. وقيل: هو ما دل على معنى مع قبوله لإفادة غيره إفادة مرجوحة، فاندرج تحته ما دل على المجاز الراجح.
ويطلق على اللفظ الذي يفيد معنى، سواء أفاد معه إفادة مرجوحة أو لو يفد، ولهذا يخرج النص، فإن إفادته ظاهرة بنفسه.
ونقل إمام الحرمين أن الشافعي كان يسمي الظاهر نصًّا.
وقيل: هو في الاصطلاح: ما دل دلالة ظنية، إما بالوضع، كالأسد للسبع المفترس، وبالعرف، كالغائط للخارج المستقذر؛ إذ غلب فيه بعد أن كان في الأصل للمكان المطمئن من الأرض.
والتأويل مشتق من آل يؤول، إذا رجع، تقول: آل الأمر إلى كذا، أي: رجع إليه، ومآل الأمر مرجعه.
وقال النضر بن شميل1: إنه مأخوذ من الإيالة، وهي السياسة، يقال لفلان: علينا إيالة، وفلان آيل علينا، أي: سائس، فكأن المؤول بالتأويل كالمتحكم على الكلام المتصرف فيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو ابن خرشة، العلامة، الإمام الحافظ، أبو الحسن، المازني البصري النحوي، نزيل مرو وعالمها، أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة، ولد سنة اثنتين وعشرين ومائة هـ، وتوفي سنة أربع ومائتين هـ. ا. هـ سير أعلام النبلاء 9/ 328 معجم الأدباء 19/ 238 الأعلام 8/ 33.
ج / 2 ص -32- وقال ابن فارس في "فقه العربية" التأويل: آخر الأمر وعاقبته، يقال: مآل هذا الأمر مصيره، واشتقاق الكلمة من الأول وهو العاقبة والمصير. واصطلاحا: صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يحتمله.
وفي الاصطلاح: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح. وهذا يتناول التأويل الصحيح والفاسد، فإن أردت تعريف التأويل الصحيح زدت في الحد: بدليل يصيره راجحا؛ لأنه بلا دليل، أو مع دليل مرجوح، أو مساوٍ فاسد.
قال ابن برهان: وهذا الباب أنفع كتب الأصول وأجلها، ولم يزل الزال إلا بالتأويل الفاسد.
وأما ابن السمعاني فأنكر على إمام الحرمين إدخاله لهذا الباب في أصول الفقه، وقال: ليس هذا من "أصول"* الفقه في شيء، إنما هو كلام يورد في الخلافيات.
واعلم: أن الظاهر دليل شرعي يجب اتباعه، ولعمل به، بدليل إجماع الصحابة على العمل بظواهر الألفاظ.
وإذا عرفت معنى الظاهر فاعلم: أن النص ينقسم إلى قسمين:
أحدهما:
يقبل التأويل، وهو قسم من النص مرادف للظاهر.
والقسم الثاني:
لا يقبله، وهو النص الصريح، وسيأتي1 الكلام على هذا في الباب الذي بعد هذا الباب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "أ": أصل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر صفحة: 2/ 36
الفصل الثاني: فيما يدخله التأويل
وهو قسمان: أحدهما: أغلب الفروع، ولا خلاف في ذلك.
والثاني: الأصول: كالعقائد، وأصول الديانات، وصفات الباري عز وجل.
وقد اختلفوا في هذا القسم على ثلاثة مذاهب:
الأول:
أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل يجري على ظاهرها، ولا يؤول شيء منها، وهذا قول المشبهة1.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهم مشبهة الحشوية الذين شبهوا الخالق بالمخلوق وأجازوا على ربهم الملامسة والمصافحة، وأن المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا بلغوا في الرياضة حد الإخلاص المحض والاتحاد المحض، وهم أتباع كهمس وأحمد الهجيمي أ. هـ الملل والنحل "1/ 103".
ج / 2 ص -33- والثاني:
أن لها تأويلا، ولكنا نمسك عنه، مع تنزيه اعتقادنا عن التشبيه والتعطيل، لقوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}1 قال ابن برهان: وهذا قول السلف.
قلت: وهذا هو الطريقة الواضحة، والمنهج المصحوب بالسلامة عن الوقوع في مهاوي التأويل، لما لا يعلم تأويله إلا الله، وكفى بالسلف الصالح قدوة لمن أراد الاقتداء، وأسوة لمن أحب التأسي على تقدير عدم ورود الدليل القاضي بالمنع من ذلك، فكيف وهو قائم موجود في الكتاب والسنة.
والمذهب الثالث:
أنها مؤولة. قال ابن برهان: والأول من هذه المذاهب باطل، والآخران منقولان عن الصحابة. ونقل هذا المذهب الثالث عن علي، وابن عباس، وابن مسعود، وأم سلمة.
قال أبو عمرو ابن الصلاح: الناس في هذه الأشياء الموهمة للجهة ونحوها فرق ثلاث:
ففرقة تؤول، وفرقة تشبه، وثالثة ترى أنه لم يطلق الشارع مثل هذه اللفظة إلا وأطلاقه سائغ وحسن قبولها مطلقة، كما قال مع التصريح بالتقديس والتنزيه، والتبري من التحديد والتشبيه. قال: وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها، "وإياها"* اختارها أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين يصدف عنها ويأباها، وأفصح الغزالي في غير موضع "بتهجير"** ما سواها، حتى ألجم آخرًا في إلجامه كل عالم وعامي عما عداها. قال: "وهو"*** كتاب "إلجام العوام عن علم الكلام" وهو آخر تصانيف الغزالي مطلقًا، حث فيه على مذهب السلف ومن تبعهم.
قال الذهبي في "النبلاء"2 في ترجمة فخر الدين الرازي ما لفظه: وقد اعترف في آخر عمره، حيث يقول: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروى غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}3، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}4، واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}5؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": بهجر.
*** في "أ": وهذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جزء من الآية 7 من سورة آل عمران.
2 أي سير أعلام النبلاء.
3 الآية 5 من سورة طه.
4 جزء من الآية 10 من سورة فاطر.
5 جزء من الأية11 من سورة الشورى.
ج / 2 ص -34- ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. انتهى.
وذكر الذهبي في "النبلاء" في ترجمة إمام الحرمين الجويني، أنه قال: ذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة.
هكذا نقل عنه صاحب "النبلاء" في ترجمته، وقال في موضع آخر في ترجمته في "النبلاء" إنه قال ما لفظه: اشهدوا عليَّ أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السلف. انتهى.
وهؤلاء الثلاثة أعني: الجويني، والغزالي، الرازي. هم الذين وسعوا دائرة التأويل، وطولوا ذيوله، وقد رجعوا آخرًا إلى مذهب السلف كما عرفت، فلله الحمد كما هو له أهل.
وقال ابن دقيق العيد: "ونقول"* في الألفاظ المشكلة إنها حق وصدق، وعلى الوجه الذي أراده الله، ومن أول شيئًا منها، فإن كان تأويله قريبا على ما يقتضيه لسان العرب، وتفهمه في مخاطباتهم لم ننكر عليه، ولم نبدعه، وإن كان تأويله بعيدا توقفنا عنه، واستبعدناه، ورجعنا إلى القاعدة في الإيمان بمعناه، مع التنزيه. وقد تقدمه إلى مثل هذا ابن عبد السلام1 كما حكاه عنهما الزركشي في "البحر"، والكلام في هذا يطول لما فيه من كثرة النقول عن الأئمة الفحول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "أ": ونقوله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد العزيز بن عبد السلام، عز الدين الملقب بسلطان العلماء، فقيه شافعي، بلغ رتبة الاجتهاد، ولد في دمشق سنة سبع وسبعين وخمسمائة، وتوفي سنة ستين وستمائة هـ بالقاهرة من آثاره "قواعد الشريعة" "الفوائد" "الإلمام في أدلة القرآن" "مقاصد الرعاية" ا. هـ شذرات الذهب 5/ 301 هدية العارفين 1/ 580 الاعلام 4/ 21 معجم المؤلفين 5/ 249.
الفصل الثالث: في شروط التأويل
الأول:
أن يكون موافقا لوضع اللغة، أو عرف الاستعمال، "أو"* عادة صاحب الشرع، وكل تأويل خرج عن هذا فليس بصحيح.
الثاني:
أن يقوم الدليل على أن المراد بذلك اللفظ هو المعنى الذي حمل عليه إذا كان لا يستعمل كثيرا فيه.
الثالث:
إذا كان التأويل بالقياس فلا بد أن يكون جليا، لا خفيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "أ": وإعادة.
ج / 2 ص -35- وقيل: أن يكون مما يجوز التخصيص به على ما تقدم.
وقيل: لا يجوز التأويل بالقياس أصلا.
والتأويل في نفسه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قد يكون قريبا، فيترجح بأدنى مرجح، وقد يكون بعيدا، فلا يترجح إلا بمرجح قوي، ولا يترجح بما ليس بقوي، وقد يكون متعذرا، لا يحتمله اللفظ، فيكون مردودا لا مقبولا.
وإذا عرفت هذا تبين لك ما هو مقبول من التأويل مما هو مردود، ولم يحتج إلى تكثير الأمثلة، كما وقع في كثير من كتب الأصول.
====================================
=============================================/=============
------ 
 
 
إرشاد الفحول لتحقيق الحق من علم الأصول
ج / 2 ص -36- الباب الثامن: في المنطوق والمفهوم
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: في حدهما
فالمنطوق: ما دل عليه اللفظ في محل النطق، أي: يكون حكمًا للمذكور، وحالا من أحواله.
والمفهوم: ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، أي: يكون حكمًا لغير المذكور، وحالا من أحواله.
والحاصل: أن الألفاظ قوالب للمعاني المستفاد منها، فتارة تستفاد منها من جهة النطق تصريحا، وتارة من جهته تلويحا، فالأول: المنطوق، والثاني: المفهوم.
أقسام المنطوق
والمنطوق ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما لا يحتمل التأويل، وهو النص.
والثاني: ما يحتمله، وهو الظاهر.
والأول أيضًا ينقسم إلى قسمين: صريح إن دل عليه اللفظ بالمطابقة1، أو التضمن2.
وغير صريح إن دل عليه بالالتزام3.
وغير الصريح ينقسم إلى دلالة: اقتضاء، وإيماء وإشارة.
فدلالة الاقتضاء: هي إذا توقف الصدق أو الصحة العقلية أو الشرعية عليه، مع كون ذلك مقصودا للمتكلم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له، كدلالة الإنسان على مجموع الحيوان الناطق ا. هـ شرح السلم المنورق 19.
2 هي دلالة اللفظ على جزء المعنى في ضمنه، كدلالته على الحيوان أو الناطق في ضمن الحيوان الناطق.
3 هي دلالة اللفظ على أمر خارج عن المعنى لازم له، كدلالته على قبول العلم وصنعة الكتابة على ما فيه ا. هـ شرح السلم المنورق 20.
ج / 2 ص -37- ودلالة الإيماء: أن يقترب اللفظ بحكم، لو لم يكن للتعليل لكان بعيدا؛ وسيأتي بيان هذا في القياس.
ودلالة الإشارة حيث لا يكون مقصودا للمتكلم.
أقسام المفهوم:
والمفهوم ينقسم إلى مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة.
فمفهوم الموافقة: حيث يكون المسكوت عنه موافقا للملفوظ به، فإن كان أولى بالحكم من المنطوق به فيسمى فحوى الخطاب، وإن كان مساويا فيسمى لحن الخطاب.
وحكى الماوردي والروياني في الفرق بين فحوى الخطاب، ولحن الخطاب وجهين:
أحدهما: أن الفحوى ما نبه عليه اللفظ، واللحن ما لاح في "أثناء"* اللفظ.
وثانيهما: أن الفحوى ما دل على ما هو أقوى منه، واللحن ما دل على مثله.
وقال القفال: إن فحوى الخطاب ما دل المظهر على المسقط، واللحن ما يكون محالا على غير المراد، والأولى ما ذكرناه أولا.
وقد شرط بعضهم في مفهوم الموافقة أن يكون أولى من المذكور، وقد نقله إمام الحرمين الجويني في "البرهان" عن الشافعي، وهو ظاهر كلام الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، ونقله الهندي عن الأكثرين.
وأما الغزالي، وفخر الدين الرازي، وأتباعهما، فقد جعلوه قسمين: تارة يكون أولى، وتارة يكون مساويا، وهو الصواب، فجعلوا شرطه أن لا يكون المعنى في المسكوت عنه أقل مناسبة للحكم من المعنى المنطوق به.
قال الزركشي: وهو ظاهر كلام الجمهور من أصحابنا وغيرهم.
وقد اختلفوا في دلالة النص على مفهوم الموافقة، هل هي لفظية أو قياسية على قولين، حكاهما الشافعي في الأمر، وظاهر كلامه ترجيح أنه قياس، ونقله الهندي في "النهاية" عن الأكثرين.
قال الصيرفي: ذهبت طائفة جلة سيدهم الشافعي إلى أن هذا هو القياس الجلي.
وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "شرح اللمع": إنه الصحيح، وجرى عليه القفال الشاشي، فذكره في أنواع القياس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
ج / 2 ص -38- قال سليم الرازي: الشافعي يومئ إلى أنه قياس جلي، لا يجوز ورود الشرع بخلافه، قال: وذهب المتكلمون بأسرهم -الأشعرية والمعتزلة- إلى أنه مستفاد من النطق، وليس بقياس.
قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني: الصحيح من المذاهب أنه جارٍ مجرى النطق، لا مجرى "القياس، وسماه الحنفية دلالة النص، وقال آخرون: ليس بقياس ولا يسمى"* دلالة النص، لكن دلالته لفظية.
ثم اختلفوا، فقيل: إن المنع من التأفيف1 منقول بالعرف عن موضوعه اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى.
وقيل: إنه فهم السياق والقرائن، وعليه المحققون من أهل هذا القول، كالغزالي، وابن القشيري، والآمدي، وابن الحاجب، والدلالة عندهم مجازية، من باب إطلاق الأخص وإرادة الأعم.
قال الماوردي: والجمهور على أن دلالته من جهة اللغة لا من القياس.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: القول بمفهوم الموافقة من حيث الجملة مجمع عليه.
قال ابن رشد: لا ينبغي للظاهرية أن يخالفوا في مفهوم الموافقة؛ لأنه من باب السمع، والذي رد ذلك يرد نوعا من الخطاب.
قال الزركشي: وقد خالف فيه ابن حزم.
قال ابن تيمية: وهو مكابرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي تحريم التأفيف للوالدين كما في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ....} سورة الإسراء 23.
المسألة الثانية: مفهوم المخالفة
وهو حيث يكون المسكت عنه مخالفا للمذكور في الحكم، إثباتا ونفيا، فيثبت للمسكوت عنه نقيض حكم المنطوق به، ويسمى دليل الخطاب؛ لأن دليله من جنس الخطاب، أو لأن الخطاب دال عليه.
قال القرافي: وهل المخالفة بين المنطوق والمسكوت بضد الحكم المنطوق به، أو نقيضه؟
الحق: الثاني.
ج / 2 ص -39- ومن تأمل المفهومات وجدها كذلك.
وجميع مفاهيم المخالفة حجة عند الجمهور، إلا مفهوم اللقب.
وأنكر أبو حنيفة الجميع، وحكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "شرح اللمع" عن القفال الشاشي، وأبي حامد المروزي.
وأما الأشعري، فقال القاضي: إن النقلة نقلوا عنه القول بالمفهوم، كما نقلوا عنه نفي صيغ العموم، وقد أضيف إليه خلاف ذلك وأنه قال بمفهوم الخطاب.
وذكر شمس الأئمة السرخسي من الحنفية في كتاب "السير"1: أنه ليس بحجة في خطابات الشرع، قال: وأما في مصطلح الناس وعرفهم فهو حجة، وعكس ذلك بعض المتأخرين من الشافعية، فقال: هو حجة في كلام الله ورسوله، وليس بحجة في كلام المصنفين وغيرهم، كذا حكاه الزركشي.
واختلف المثبتون للمفهوم في مواضع.
أحدها:
هل هو حجة من حيث اللغة، أو الشرع؟
وفي ذلك وجهان للشافعية، حكاهما "المازري"* والروياني.
قال ابن السمعاني: والصحيح أنه حجة من حيث اللغة.
وقال الفخر الرازي: لا يدل على النفي بحسب اللغة، لكنه يدل عليه بحسب العرف العام.
وذكر في "المحصول" في باب العموم: أنه يدل عليه العقل.
الموضع الثاني:
اختلفوا أيضًا في تحقيق مقتضاه، أنه هل يدل على نفي الحكم عما عدا المنطوق به مطلقًا، سواء كان من جنس المثبت، أو لم يكن، أو تختص دلالته بما إذا كان من جنسه، فإذا قال: "في الغنم السائمة الزكاة"2 فهل نفي الزكاة عن المعلوفة مطلقًا، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم، أو هو مختص بالمعلوفة من الغنم؟
وفي ذلك وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد الإسفراييني، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وسليم الرازي، وابن السمعاني، والفخر الرازي.
قال الشيخ أبو حامد: والصحيح تخصيصه بالنفي عن معلوفة الغنم فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "أ": الماوردي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 واسمه "السير الكبير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني، شرحه شمس الأئمة السرخسي، وهو في جزأين ضخمين، أملاه محبوسا وأنهاه في آخر المحنة في مرغينان ا. هـ كشف الظنون "2/ 1014".
2 تقدم تخريجه في 1/ 393.
ج / 2 ص -40- قلت: هو الصواب.
الموضع الثالث:
هل المفهوم المذكور يرتقي إلى أن يكون دليلا قاطعا، أو لا يرتقي إلى ذلك؟ قال إمام الحرمين الجويني: إنه "قد"* يكون قطعيا، وقيل: لا.
الموضع الرابع:
إذا دل "دليل"** على إخراج صور من صور المفهوم، فهل يسقط المفهوم بالكلية، أو يتمسك به في البقية؟ وهذا يتمشى على الخلاف في حجية العموم إذا خص، وقد تقدم الكلام في ذلك.
الموضع الخامس:
هل يجب العمل به قبل البحث عما يوافقه، أو يخالفه من منطوق أو مفهوم آخر؟ فقيل: حكمه حكم العمل بالعام قبل البحث عن المخصص، وحكى القفال الشاشي في ذلك وجهين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** في "أ": الدليل.
المسألة الثالثة: شروط القول بمفهوم المخالفة
الأول:
أن لا يعارضه ما هو أرجح منه، من منطوق أو مفهوم موافقة، أما إذا عراضه قياس، فلم يجوز القاضي أبو بكر الباقلاني ترك المفهوم به، مع تجويزه ترك العموم بالقياس، كذا قال.
ولا شك أن القياس المعمول به يخصص عموم المفهوم، كما يخصص عموم المنطوق، وإذا تعارضا على وجه لا يمكن الجمع بينهما، وكان كل واحد منهما معمولا به، فالمجتهد لا يخفى عليه الراجح منهما من المرجوح، وذلك يختلف باختلاف المقامات، وبما يصاحب كل واحد منهما من القرائن المقوية له.
قال شارح "اللمع": دليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه، كالنص والتنبيه، فإن عارضه أحدهما سقط، وإن عارضه عموم صح التعلق بعموم دليل الخطاب على الأصح، وإن عارضه قياس جلي، قدم القياس، وأما الخفي، فإن جعلناه حجة كالنطق قدم دليل الخطاب، وإن جعلناه كالقياس فقد رأيت بعض أصحابنا يقدمون كثيرا القياس في كتب الخلاف.
والذي يقتضيه المذهب أنهما يتعارضان.
الشرط الثاني:
أن لا يكون المذكور قصد به الامتنان، كقوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا}1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1جزء من الآية 14 من سورة النحل.
ج / 2 ص -41- فإنه لا يدل على منع أكل ما ليس بطري.
الشرط الثالث:
أن لا يكون المنطوق خرج جوابا عن سؤال متعلق بحكم خاص، ولا حادثة خاصة بالمذكور، هكذا قيل، ولا وجه لذلك، فإنه لا اعتبار بخصوص السبب، ولا بخصوص السؤال.
وقد حكى القاضي أبو يعلى في ذلك احتمالين. قال الزركشي: ولعل الفرق -يعني بين عموم اللفظ، وعموم المفهوم- أن دلالة المفهوم ضعيفة تسقط بأدنى قرينة بخلاف اللفظ العام.
قلت: وهذا فرق قوي، لكنه إنما يتم في المفاهيم التي دلالتها ضعيفة، أما المفاهيم التي دلالتها قوية قوة تلحقها بالدلالات اللفظية فلا.
قال: ومن أمثلته قوله تعالى: {لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً}1 فلا مفهوم للأضعاف؛ لأنه جاء على النهي عما كانوا يتعاطونه بسبب الآجال، كان الواحد منهم إذا حل دينه يقول: إما أن تعطي، وإما أن تربي، فيتضاعف بذلك أصل دينه مرارا كثيرة، فنزلت الآية على ذلك.
الشرط الرابع:
أن لا يكون المذكور قصد به التفخيم، وتأكيد الحال، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد"2 الحديث، فإن التقييد "بالإيمان" لا مفهوم له، وإنما ذكر لتفخيم الأمر.
الشرط الخامس:
أن يذكر مستقلا، فلو ذكر على وجه التبعية لشيء آخر، فلا مفهوم له، كقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}3 فإن قوله تعالى: {فِي الْمَسَاجِدِ} فلا مفهوم له؛ لأن المعتكف ممنوع من المباشرة مطلقًا.
الشرط السادس:
أن لا يظهر من السياق قصد التعميم، فإن ظهر فلا مفهوم له، كقوله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جزء من الآية 130 من سورة آل عمران.
2 أخرجه البخاري من حديث زينب بنت أبي سلمة، كتاب الطلاق، باب تحد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرًا 5334-5335-5336. ومسلم، كتاب الطلاق، باب وجوب الإحداد في عدة الوفاة 1486-1487-1489. وأبو داود، كتاب الطلاق، باب إحداد المتوفى عنها زوجها 2299. والترمذي، كتاب الطلاق، باب ما جاء في عدة المتوفى عنها زوجها 1195-1196-1197. والنسائي، كتاب الطلاق، باب ترك الزينة للحادة المسلمة دون اليهودية والنصرانية 6/ 102.ومالك في الموطأ، كتاب الطلاق، باب ما جاء في الإحداد 2/ 596. وعبد الرزاق في المصنف12130. ابن حبان في صحيحه 4304. أبو يعلى في مسنده 1160.
3 جزء من الآية 187 من سورة البقرة.
ج / 2 ص -42- تعالي: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}1، للعلم بأن الله سبحانه قادر على المعدوم، والممكن. وليس بشيء، فإن المقصود بقوله تعالى: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} التعميم.
الشرط السابع:
أن لا يعود على أصله الذي هو المنطوق بالإبطال، أما لو كان كذلك فلا يعمل به.
الشرط الثامن:
أن لا يكون قد خرج مخرج الأغلب، كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ}2. فإن الغالب كون الربائب في الحجور، فقيد به لذلك، لا لأن حكم اللاتي لسن في الحجور بخلافه، ونحو ذلك كثير في الكتاب والسنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جزء من الآية 284 من سورة البقرة.
2 جزء من الآية 23 من سورة النساء.
المسألة الرابعة: في أنواع مفهوم المخالفة
النوع الأول: مفهوم الصفة
وهي تعلق الحكم على الذات بأحد الأوصاف، نحو: "في سائمة الغنم زكاة"1.
والمراد بالصفة عند الأصوليين: تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر، يختص ببعض معانيه، ليس بشرط، ولا غاية، ولا يريدون به النعت فقط، وهكذا عند أهل البيان، فإن المراد بالصفة عندهم: هي المعنوية، لا النعت، وإنما يخص الصفة بالنعت أهل النحو فقط.
وبمفهوم الصفة أخذ الجمهور، وهو الحق، لما هو معلوم من لسان العرب أن الشيء إذا كان له وصفان، فوصف بأحدهما دون الآخر، كان المراد به ما فيه تلك الصفة دون الآخر.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه، وبعض الشافعية، والمالكية: إنه لا يؤخذ به، ولا يعمل عليه، ووافقهم من أئمة اللغة الأخفش2، وابن فارس، وابن جني.
وقال الماوردي من الشافعية بالتفصيل بين أن يقع ذلك جواب "سؤال"* فلا يعمل به، وبين أن يقع ابتداء فيعمل به؛ لأنه لا بد لتخصيصه بالذكر من موجب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "أ": سائل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تقديم تخريجه في الصفحة 1/ 393.
2 هو سعيد بن مسعدة البلخي، أبو الحسن، المعروف بالأخفش الأوسط إمام النحو، أخذ عن الخليل، ولزم سيبويه، وأخذ عنه المازني، وأبو حاتم، وسلمة، وطائفة، وله كتب كثيرة في النحو والعروض ومعاني القرآن، توفي سنة مائتين وعشرة ونيف ا. هـ. سير أعلام النبلاء "10/ 206"، شذرات الذهب "2/ 36"، معجم الأدباء "11/ 224".
ج / 2 ص -43- وفي جعل هذا التفصيل مذهبا مستقلا نظر، فإنه قد تقدم أن من شرط الأخذ بالمفهوم عند القائلين به أن لا يقع جوابا لسؤال.
وقال أبو عبد الله البصري: إنه حجة في ثلاث صور:
أن يرد مورد البيان، كقوله: "في سائمة الغنم الزكاة"، أو مورد التعليم، كقوله صلى الله عليه وسلم في خبر التخالف والسلعة قائمة1، أو يكون ما عدا الصفة داخلا تحت الصفة، كالحكم بالشاهدين، فإنه يدل على أنه لا يحكم بالشاهد الواحد؛ لأنه داخل تحت الشاهدين، ولا يدل على نفي الحكم فيما سوى ذلك.
وقال إمام الحرمين الجويني بالتفصيل بين الوصف المناسب وغيره، فقال بمفهوم الأول دون الثاني، وعليه يحمل نقل الرازي عنه للمنع، ونقل ابن الحاجب عنه الجواز.
وقد طول أهل الأصول الكلام على استدلال هؤلاء المختلفين لما قالوا به، وليس في ذلك حجة واضحة؛ لأن المبحث لغوي، واستعمال أهل اللغة والشرع لمفهوم الصفة، وعملهم به معلوم لكل من له علم بذلك.
النوع الثاني: مفهوم العلة
وهو تعليق الحكم بالعلة، نحو: حرمت الخمر لإسكارها، والفرق بين هذا النوع والنوع الأول، أن الصفة قد تكون علة كالإسكار، وقد لا تكون علة، بل متممة كالسوم، فإن الغنم هي العلة، والسوم متمم لها.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي: والخلاف فيه وفي مفهوم الصفة واحد.
النوع الثالث: مفهوم الشرط
والشرط في اصطلاح المتكلمين: ما يتوقف عليه المشروط، ولا يكون داخلا في المشروط، ولا مؤثرا فيه.
وفي اصطلاح النحاة: ما دخل عليه أحد الحرفين: إن أو إذا أو ما يقوم مقامهما، مما يدل على سببية الأول، ومسببية الثاني، وهذا هو الشرط اللغوي، وهو المراد هنا، لا الشرعي، ولا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرجه البخاري في التاريخ من حديث ابن مسعود بلفظ: "إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول قول البائع أو يترادان البيع" 5/ 299. وابن ماجه، كتاب التجارات، باب البيعان يختلفان 2186. والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء إذا اختلف البيعان 1270. وأبو داود، كتاب البيوع، باب إذا اختلف البيعان والمبيع قائم 3511. والنسائي، كتاب البيوع، باب اختلاف المتبايعين في الثمن 7/ 302. والدارمي، كتاب البيوع، باب إذا اختلف المتبايعان 2/ 250. والبيهقي، كتاب البيوع، باب اختلاف المتبايعين 5/ 332. وأحمد في مسنده 1/ 466. والدارقطني 3/ 21. وأبو يعلي في مسنده 4984.
ج / 2 ص -44- العقلي، وقد قال به القائلون بمفهوم الصفة، ووافقهم على القول به بعض من خالف في مفهوم الصفة، ولهذا نقله أبو الحسين السهيلي في "أدب الجدل" عن أكثر الحنفية.
ونقله ابن القشيري عن معظم أهل العراق، ونقله إمام الحرمين عن أكثر العلماء.
وذهب أكثر المعتزلة، كما نقله عنهم صاحب "المحصول" إلى المنع من الأخذ به. ورجح المنع المحققون من الحنفية، وروي عن أبي حنيفة، ونقله ابن التلمساني1 عن مالك، واختاره القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي، والآمدي.
وقد بالغ إمام الحرمين في الرد على المانعين، ولا ريب أنه قول مردود، وكل ما جاءوا به لا تقوم به الحجة، والأخذ به معلم من لغة العرب والشرع، فإن من قال لغيره: إن أكرمتني أكرمتك، ومتى جئتني أعطيتك، ونحو ذلك مما لا ينبغي أن يقع فيه الخلاف بين كل من يفهم لغة العرب، وإنكار ذلك مكابرة، وأحسن ما يقال لمن أنكره: عليك بتعلم لغة العرب، فإن إنكارك لهذا يدل على أنك لا تعرفها.
النوع الرابع: مفهوم العدد
وهو تعليق الحكم بعدد مخصوص، فإنه يدل على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد، زائدا كان أو ناقصا.
وقد ذهب إليه الشافعي، كما نقله عنه أبو حامد، وأبو الطيب الطبري والماوردي، وغيرهم.
ونقله أبو الخطاب الحنبلي2 عن أحمد بن حنبل، وبه قال مالك، وداود الظاهري، وبه قال صاحب "الهداية"3 من الحنفية، ومنع من العمل به المانعون بمفهوم الصفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو عبد الله بن محمد بن علي الفهري، المصري، الشافعي، المعروف بابن التلمساني، شرف الدين، أبو محمد، فقيه، أصولي، تصدر للإقراء بالقاهرة، وتوفي بها سنة أربع وأربعين وستمائة هـ، من آثاره: "شرح المعالم في أصول الدين" "شرح التنبيه للشيرازي في فروع الفقه الشافعي" "المجموع في الفقه" ا. هـ معجم المؤلفين 6/ 133، كشف الظنون 1/ 491 أيضًاح المكنون 1/ 431.
2 هو محفوظ بن أحمد بن حسن بن حسن الكلوذاني، أبو الخطاب، الشيخ الإمام العلامة الورع، شيخ الحنابلية، ولد سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة هـ، وتوفي سنة عشر وخمسمائة، وله تصانيف في المذهب والأصول والخلاف منها: "التمهيد" في أصول الفقه، "رءوس المسائل" "الانتصار في المسائل الكبار". ا. هـ سير أعلام النبلاء 19/ 348 شذرات الذهب 4/ 27، الكامل لابن الأثير 8/ 277.
3 وهو برهان الدين، علي بن أبي بكر المرغيناني الحنفي المتوفى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة هـ، كان فقيها، فرضيا، محدثا، حافظا، مفسرا مشاركا في أنواع العلم، من آثاره: التجنيس والمزيد، كفاية المنتهي، بداية المبتدي، وله كتاب الهداية وهو شرح للبداية فيه غوامض أسرار محتجبة وراء الأستار لا يكشف عنها من نحارير العلماء إلا من أوتي كمال التيقظ في التحقيق. ا. هـ سير أعلام النبلاء 21/ 232، الفوائد البهية 141، كشف الظنون 2/ 2031، معجم المؤلفين 7/ 45.
ج / 2 ص -45- قال الشيخ أبو حامد، وابن السمعاني: وهو دليل كالصفة سواء.
والحق ما ذهب إليه الأولون، والعمل به معلوم من لغة العرب، ومن الشرع، فإن من أمر بأمر، وقيده بعدد مخصوص، فزاد المأمور على ذلك العدد، أو نقص عنه، فأنكر عليه الآمر الزيادة أو النقص، كان هذا الإنكار مقبولا عند كل من يعرف لغة العرب، فإن ادعى المأمور أنه قد فعل ما أمر به، مع كونه نقص عنه أو زاد عليه، كانت دعواه هذه مردودة عند كل من يعرف لغة العرب.
النوع الخامس: مفهوم الغاية
وهو مد الحكم بـ إلى أو حتى:
وغاية الشيء آخره، والي العمل به ذهب الجمهور، وبه قال بعض من لم يعمل بمفهوم الشرط، كالقاضي أبي بكر الباقلاني، والغزالي، والقاضي عبد الجبار، وأبي الحسين.
قال ابن القشيري: وإليه ذهب معظم نفاة المفهوم، وكذا قال القاضي أبو بكر حاكيا لذلك.
وحكى ابن برهان وصاحب "المعتمد" الاتفاق عليه.
قال سليم الرازي: لم يختلف أهل العراق في ذلك.
وقال القاضي في "التقريب": صار معظم نفاة دليل الخطاب إلى أن التقييد بحرف الغاية يدل على انتفاء الحكم عما وراء الغاية. قال: ولهذا اجمعوا على تسميتها "حروف الغاية؛ وغاية الشيء: نهايته، فلو ثبت الحكم بعدها لم تعد تسميتها"* غاية، وهذا من توقيف اللغة معلوم، فكان بمنزلة قولهم: تعليق الحكم بالغاية موضوع للدلالة على أن ما بعدها بخلاف ما قبلها. انتهى.
ولم يخالف في ذلك إلا طائفة من الحنفية، والآمدي، ولم يتمسكوا بشيء يصلح للتمسك به قط، بل صمموا على منعه طردا لباب المنع، من العمل بالمفاهيم، وليس ذلك بشيء.
النوع السادس: مفهوم اللقب
وهو تعليق الحكم بالاسم العلم، نحو: قام زيد، أو اسم النوع، نحو: في الغنم زكاة، ولم يعمل به أحد إلا أبو بكر الدقاق. كذا قيل.
وقال سليم الرازي في "التقريب": صار إليه الدقاق وغيره من أصحابنا -يعني الشافعية- وكذا حكاه عن بعض الشافعية ابن فورك. ثم قال: وهو الأصح. قال إلكيا الطبري في "التلويح":
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
ج / 2 ص -46- إن ابن فورك كان يميل إليه، وحكاه السهيلي في "نتائج الفكر"1 عن أبي بكر الصيرفي، ونقله عبد العزير في "التحقيق"2 عن أبي حامد المروزي.
قال الزركشي: والمعروف عن أبي حامد إنكار القول بالمفهوم مطلقا.
وقال إمام الحرمين الجويني في "البرهان": وصار إليه الدقاق، وصار إليه طوائف من أصحابنا، ونقله أبو الخطاب الحنبلي في "التمهيد"3 عن منصوص أحمد، قال: وبه قال مالك، وداود، وبعض الشافعية. انتهى.
ونقل القول به عن ابن خويزمنداد والباجي، وابن القصار.
وحكى ابن برهان في "الوجيز" التفصيل عن بعض الشافعية، وهو أنه يعمل به في أسماء الأنواع لا في أسماء الأشخاص.
وحكى ابن حمدان4، وأبو يعلي من الحنابلة تفصيلا آخر، وهو: العمل بما دلت عليه القرينة دون غيره.
والحاصل: أن القائل به كلا أو بعضا، لم يأت بحجة لغوية، ولا شرعية، ولا عقلية، ومعلوم من لسان العرب أن من قال: رأيت زيدا، لم يقتضِ أنه لم ير غيره قطعا، وأما إذا دلت القرينة على العمل به، فذلك ليس إلا للقرينة، فهو خارج عن محل النزاع.
النوع السابع: مفهوم الحصر
وهو أنواع، أقواها: ما وإلا، نحو، ما قام إلا زيد؛ وقد وقع الخلاف فيه: هل هو من قبيل المنطوق، أو المفهوم؟.
وبكونه منطوقا جزم الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في "الملخص"، ورجحه القرافي في "القواعد"5.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 وهو كتاب في علل النحو، للشيخ الإمام أبي القاسم، عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي، المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، ذكر فيه: أن الإعراب مرقاة إلى علوم الكتاب، فرتبه على ترتيب أبواب كتاب الجمل لميل قلوب الناس إليه. ا. هـ. كشف الظنون 2/ 1924.
2 واسمه: "التحقيق في شرح المنتخب في الأصول" وهو شرح فاق سائر التصانيف المختصرة بحسن التهذيب، ومتانة التركيب بيد أنه اقتصر فيه على الأصول كل الاقتصار، وهو للإمام عبد العزيز بن أحمد البخاري المتوفى سنة ثلاثين وسبعمائة هـ. ا. هـ كشف الظنون 2/ 1848.
3 واسمه "التمهيد في الأصول" لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد، وقد تقدمت ترجمة المؤلف في الصفحة 44 جـ2 انظر أيضًاح المكنون 1/ 320.
4 هو أحمد بن حمدان بن شبيب النميري الحراني، أبو عبد الله، فقيه حنبلي، أديب، ولد سنة ثلاث وستمائة هـ، وتوفي سنة خمس وتسعين وستمائة هـ، من آثاره "الرعاية الكبرى" "الرعاية الصغرى" "صفة المفتي والمستفتي" "مقدمة في أصول الدين" ا. هـ شذرات الذهب 5/ 428 الأعلام 1/ 119.
5 واسمه: "أنوار البروق في أنواع الفروق" للشيخ شهاب الدين أحمد بن أدريس القرافي المالكي، وهو مجلد كبير، جمع فيه خمسمائة وأربعين قاعدة من القواعد الفقهية. ا. هـ كشف الظنون 1/ 168.
ج / 2 ص -47- وذهب الجمهور إلى أنه من قبيل المفهوم، وهو الراجح، والعمل به معلوم من لغة العرب، ولم يأت من لم يعمل به بحجة مقبولة.
ثم الحصر بـ إنما، وهو قريب مما قبله في القوة.
قال إلكيا الطبري: وهو أقوى من مفهوم الغاية.
وقد نص عليه الشافعي في "الأم"1، وصرح هو وجمهور أصحابه أنها في قوة الإثبات والنفي، بـ: ما، وإلا.
وذهب ابن سريج وأبو حامد المروزي "إلى"* أن حكم ما عدا الإثبات موقوف على الدليل، "لما"** تضمنه من الاحتمال، وقد وقع الخلاف على هل منطوق أو مفهوم؟
والحق: أنه مفهوم، وأنه معمول به كما يقتضيه لسان العرب.
ثم حصر المبتدأ في الخبر، وذلك بأن يكون معرفا باللام، أو الإضافة، نحو: العالم زيد، وصديقي عمرو، فإنه يفيد الحصر؛ إذ المراد بالعالم وبصديقي هو الجنس، فيدل على العموم؛ إذ لم "تكن"*** هناك قرينة تدل على العهد، فهو يدل بمفهومه على نفي العلم عن غير زيد، ونفي الصداقة عن غير عمرو، وذلك أن الترتيب الطبيعي أن يقدم الموصوف على الوصف، فإذا قدم الوصف على الموصوف معرفا باللام أو الإضافة، أفاد العدول مع ذلك التعريف أن نفي ذلك الوصف عن غير الموصوف مقصود للمتكلم، وقيل: إنه يدل على ذلك بالمنطوق.
والحق: أن دلالته مفهومية لا منطوقية، وإلى ذلك ذهب جماعة من الفقهاء والأصوليين، ومنهم إمام الحرمين الجويني، والغزالي. وأنكره جماعة، منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، والآمدي، وبعض المتكلمين. والكلام في تحقيق أنواع الحصر محرر في علم البيان، وله صور غير ما ذكرناه ههنا، وقد تتبعتها من مؤلفاتهم، ومن مثل "كشاف الزمخشري"2 وما هو على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
** ما "أ": بما.
*** في "أ": تبن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة أربع ومائتين وهو كتاب جليل عظيم جامع لمذهبه ا. هـ كشف الظنون 2/ 1397 وكتاب الأم المقدمة.
2 واسمه: "الكشاف عن حقائق التنزيل" للإمام العلامة جار الله محمود بن عمر الزمخشري، وهو كتاب عظيم في التفسير وكان يقول عنه:
إن التفاسير في الدنيا بلا عدد وليس فيها لعمري مثل كشافي
إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته فالجهل كالداء والكشاف كالشافي
ا. هـ كشف الظنون 2/ 1475.
ج / 2 ص -48- نمطه، فوجدتها تزيد على خمسة عشر نوعا، وجمعت في تقرير ذلك بحثا.
النوع الثامن: مفهوم الحال
أي: تقييد الخطاب بالحال، وقد عرفت أنه من جملة مفاهيم الصفة؛ لأن المراد الصفة المعنوية لا النعت، وإنما أفردناه بالذكر تكميلا للفائدة.
قال ابن السمعاني: ولم يذكره المتأخرون لرجوعه إلى الصفة، وقد ذكره سليم الرازي في "التقريب"، وابن فورك.
النوع التاسع: مفهوم الزمان
كقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}1، وقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}2. وهو حجة عند الشافعي، كما نقله "الفخر الرازي، والغزالي"*، وهو في التحقيق داخل في مفهوم الصفة، باعتبار متعلق الظرف المقدر، كما تقرر في علم العربية.
النوع العاشر: مفهوم المكان
نحو: جلست أمام زيد. وهو حجة عند الشافعي، كما نقله الغزالي، وفخر الدين الرازي، ومن ذلك لو قال: بع في مكان كذا، فإنه يتعين. وهو أيضًا راجع إلى مفهوم الصفة، لما عرفت في النوع الذي قبله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* في "أ": الغزالي وشيخه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 جزء من الآية 197من سورة البقرة.
2 جزء من الآية 9 من سورة الجمعة.

---------------------------
----------------------------/------------------------------

الثلاثاء، 13 أبريل 2021

المجاز أقسامه وعلاقة الحقيقة به وامتناع كل هذه التفريعات في حق الله الباري وتشريعاته لأنه الحق مطلقا وكلامة المحكم حق

قلت المدون وما أريد التنبيه له أن أصحاب التأويل قد فرعوا في الحقيقة والمجاز وطبقوا ذلك علي ما قد حسم الشرع فيه من نصوص الوعيد المنزلة بحال حقيقتها كما نزلت ونقلوها من الحقيقة التي قصدها الله سبحانه إلي المجاز الباطل مما أدي الي تغير المعني بفعلهم هذا ولجأوا الي تصريف أحوالهم بقلب الحقائق المتعلقة فغيروا الجوهر واستخدموا بدلا منه العرض في كل شأن تأويلهم لنصوص الوعيد والزجر وما أوردته هنا مأساة من الخلافات الطاحنة الحادثة فعلا بين الفقهاء ونقلته بحاله من موقع الالوكة  لبيان كيف استذلهم الشيطان لتحريف نصوص الوعيد المحكة بحال نزولها في الشرع كذلك مستيقنة ومحكمة كما فعل النووي وأصحابه

قال الكاتب للمقال :

أقسام المجاز وأحكامه وعلامات الحقيقة والمجاز

أقسام المجاز: كما راعى الأصوليُّون في عملية الوَضْع نوعيةَ الواضع في الاستعمال الحقيقي - فقسموا الحقيقةَ على هذا الأساس - فإنهم راعَوْا كذلك نوعَ التخاطب في الاستعمال المجازي، فقسموا المجاز إلى ما يقابل أقسام الحقيقة:

= مجاز لغوي،

= وشرعي،

= وعُرْفي،

== كما تنوَّعت الحقيقة

= . ويشير القَرَافي[1] إلى أقسام المجاز فيقول:

= وهو ينقسم بحسب الوضع إلى أربعة مجازات: لغوي؛ كاستعمال (الأسَد) في (الرجل الشجاع)،

وشرعي؛ كاستعمال لفظ (الصلاة) في (الدعاء)، وعُرفي عام؛ كاستعمال لفظ (الدابة) في (مطلق ما دَبَّ)،

وعُرفي خاص؛ كاستعمال لفظ (الجوهر) في (النفيس)[2]

. وعلى هذا تكون أقسام المجاز كالتالي: 1

 المجاز اللغوي: وهو اللفظ المستعمَل في غير ما وُضِع له لغةً لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الموضوع له؛ كلفظ (الصلاة)، يستعمله اللغويُّ في العبادة المخصوصة، وليس في الدعاء الذي وُضِع له أصلاً،

أو أن تقول: رأيت أسدًا يقود الجيش، فالمعنى: قائدًا كالأسد

=2 المجاز الشرعي: وهو اللفظ المستعمَل في غير ما وُضِع له في اصطلاح الشرع لعلاقة مع قرينة مانعة؛ كلفظ (الصلاة) يستعملُه الشرعي في الدعاء استثناء، وليس في العبادة المخصوصة، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [الأحزاب: 56

]. 3- المجاز العُرفي العام : وهو اللفظ المستعمَل في غير ما وُضِع له، لمناسبة وعلاقة عُرفية عامة؛ كلفظ /الدابة) مستعمَلاً في الإنسان البليد، أو في كل ما يدب على الأرض، بعد استقراره عُرفًا على ذوات الأربع

=4- المجاز العُرفي الخاص: وهو اللفظ المستعمل في غير ما وُضِع له، لمناسبة أو علاقة عُرفية خاصة، كلفظ (الحال) يستعمله النحويُّ في إعراب الكلمة، لا فيما يكون عليه الإنسانُ من خير أو شر[4

** علامات الحقيقة والمجاز:

ذكَر الأصوليون أن الفَرْق بين الحقيقة والمجاز إما أن يقعَ بالنقل عن أئمة اللغة، أو بالاستدلالِ بالعلامات المعتبر فيها شيوعُ الاستعمال، ومن ذلك ما يلي

= النقل عن أهل اللغة:

= وذلك بأن يذكرَ لنا أهلُها أن اللفظ حقيقةٌ في استعمالٍ ما، مجازٌ في غيره، والمقصود بأهل اللغة أئمتُها وعلماؤها الذين يتحرَّوْن التغيُّر الدلالي للألفاظ، ويحاولون التوصل إلى الاستعمال الأسبق زمنًا، وهو ما يسمى بأصل الوَضْع، أو الحقيقة اللغوية الوَضْعية عند الأصوليين، ثم يبحثون ما يطرأُ على الدلالات بعد ذلك من تغيُّر، توسيعًا أو تضييقًا أو انتقالاً، فإذا شاعت الدلالاتُ الجديدة في الاستعمال سُمِّيت بالحقائق العُرفية؛ فلفظ السماء يدل حقيقةً على كل ما علا، ومنه السماء المعروفة، ثم سمي به المطر مجازًا، وعلاقة المجاورة واضحة بين المدلولين، ويبدو أن هذا الاستعمالَ قد كُتِب له الشيوع، حتى تجوَّزت العرب إلى إطلاقه على مواقعِ سقوط المطر، فقالوا: ما زلنا نطأ السماءَ حتى أتيناكم؛ أي: ما زِلْنا نطأ مواقع المطر[5 .

وقد نص الأصوليون على النقلِ عن أهل اللغة في التمييز بين الحقيقة والمجاز؛ لأن معظم ألوان التغيير الدلالي - ومنها المجازات المنقولة الشائعة الاستعمال - لا يُدرِكها إلا ذو البصر باللغة وخصائصها، ولا تتضح إلا بالبحثِ والدراسة -

2= تبادر المعنى إلى الفهمِ مع انتفاء القرينة: ذلك أننا إذا سمِعْنا أهلَ اللغة يعبِّرون عن معنى واحد بعبارتين، ويستعملون إحداهما بقرينةٍ دون الأخرى، عرَفْنا أن اللفظَ حقيقة في المستعمل بلا قرينة، مجازٌ في المستعمل مع القرينة، مثل: (رأيت الأسد) يفهم منه الحيوان المخصوص دون قرينة، ولا يُفهَم منه الرجلُ الشجاع إلا بقرينة -

3= الاشتقاق: فاللفظ المستعمَل في الحقيقة يُشتَق منه الفعل واسم الفاعل والمفعول، والمستعمل مجازًا لا يرِد فيه هذا الاشتقاق، ومثاله لفظ: (الأمر)؛ فهو حقيقةٌ في القول الدال على طلب الفعل، مجازٌ في الدلالة على الشأن؛ ولذلك تتصرف الحقيقة، فيقال: أمَر بأمر، فهو آمِر، وغيره مأمور بكذا، ولا يحصل ذلك الاشتقاقُ في لفظ (الأمر) الدالِّ على الشأن

. 4- اختلاف صيغة الجمع: وهي علامةٌ للتفريق بين مدلولاتِ الكلمة الواحدة؛ فلفظ الأمر بمعنى القولِ الدال على الطلب يُجمَع على أوامرَ، أما الدالُّ على الشأن فيُجمَع على أمور، وقد عدَّها الأصوليون علامةً للتفريق بين الحقيقة والمجاز -

5= تقوية الكلام بالتأكيد: وهو من علامات الحقيقة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ [النساء: 164]،

* فأكَّد الكلامَ، ونفى عنه المجاز، ولا يصلُح في المجاز التأكيدُ

// أحكام المجاز

اختلف الأصوليُّون في جواز إطلاق اللفظ الواحد على مدلوله الحقيقي  ومدلوله المجازي في وقت واحد، فمن قائل: إنه يمتنع أن يراد كل منهما معًا في آن واحد، وهو قول الحنفية وبعض المعتزلة والإمامية وبعض أصحاب الشافعي وعامة أهل اللغة،

/ أما من  قائل بجوازه مطلقًا، وهو قول الشافعي وأكثر المعتزلة؛ فلفظ (الأُمِّ) يشمل الأمَّ الحقيقة والجدات على المجاز، / وقد يطلق ويراد به المعنى الحقيقيُّ والمجازيُّ في ذات الوقت كما في آية المحرَّمات[6 . على حين يرون الحُكم في قوله تعالى: ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [المائدة: 6]؛ فلفظ ﴿ لَامَسْتُمُ ﴾ يحتمل المعنى الحقيقيَّ، وهو الدلالة على الملامسة المعروفة باليد والجسم، وبه أخذ المالكية وبعضُ الفقهاء، فحكَموا بأن الملامسة المعروفة كالمصافحة مثلاً تنقُضُ الوضوءَ إذا قصد اللامسُ اللذةَ، واعتمدوا على أحاديثَ روَوْها، فإن أبا حنيفة[7] قد ذهَب إلى أن الملامسة مقصود بها معناها المجازي، وهو الجِماع، معتمدًا على قرائنَ عقلية وآثارٍ منقولة؛ فأخَذ بالمجاز هنا. وإذا اختار المتكلم أسلوب المجاز، هل يبقى لأسلوب الحقيقة اعتبار أم يصرف النظر عنه؟ فهناك رأيان

 أ- المجاز خلَف عن الحقيقة في التكلُّم لا في الحُكم؛ فالمجاز في الحُكم أصل بنفسه، وإليه ذهب الأحناف، فمن قال لشخص مملوك له وهو أكبر منه سنًّا)أنت ابني) يكون هذا عند أبي حنيفة كلامًا تترتبُ عليه آثاره، على الرغم من استحالة الحقيقة؛ لوجود علاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي، وهي )ها هنا اللزوم؛ فالحرية من حيث الملك من لوازم البنوَّة، فأطلق الملزوم )البنوة) وأريد اللازم (الحرية) على سبيل إرسال المجاز، ولوجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي، وهي استحالة بنوَّة الأكبر للأصغر، فينتج عنه انتقال الذهن من المعنى الحقيقي الذي هو البنوَّة، إلى المعنى المجازي الذي هو الحرية؛ إذ الانتقال إنما (يعتمد صحةَ الكلام من حيث العربية؛ إذ بصحة العربية يُفهَم ما وضع في تلك اللغة، فينتقل منه إلى ملابساته

 ب- المجاز خلَف عن الحقيقة في الحُكم لا في التكلم، وذهب إليه الشافعي وأبو يوسف من الحنفية، ومن ثم فلا بد - لصحة المجاز - من إمكان الحُكم المستفاد من الحقيقة، فإذا قال شخص لمملوكه الأكبر منه سنًّا: أنت ابني، فهو كلام لغو عندهم؛ لاستحالةِ الحقيقة التي هي البنوَّة؛ إذ العقلُ لا يتصور أن يلِدَ الأصغرُ الأكبرَ؛ فلذلك لم يرتِّبوا آثارًا على مثال هذا الكلام، وحكَموا بأنه لغو[8]. [1] هو أبو العباس أحمد بن إدريس بن عبدالرحمن الصنهاجي القرافي، من فقهاء المالكية، انتهت إليه رئاسةُ المذهب في عصره، وُلِد ونشأ بمصر، وتوفي بها سنة 684هـ، وله مصنفات كثيرة، منها: كتاب الذخيرة في الفقه المالكي، والفروق وغيرها؛ (الأعلام للزِّرِكْلي (1/90). [2] الحقيقة والمجاز ص (36). [3] أصول الفقه؛ للدكتور بدران أبو العينين بدران ص (29). [4] أصول الفقه؛ للدكتور بدران أبو العينين بدران ص (29). [5] المزهر (1/429). [6] إرشاد الفحول (1/113)، تسهيل الوصول ص (94). [7] هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت، ولد سنة ثمانين هجرية في حياة صغار الصحابة، ورأى أنسَ بن مالك لما قدِم عليهم الكوفة، روى عن عطاءِ بن أبي رباح، وهو أكبر شيخ له وأفضلهم على ما قال، وعن الشعبي، وغيرهم، وعُنِي بطلب الآثار، وأما الفِقهُ والتدقيق في الرأي وغوامضه، فإليه المنتهى، والناس عليه عيال في ذلك، توفي رحمه الله سنة 150هـ، وله سبعون سنة؛ سير أعلام النبلاء (6/390) وما بعدها. [8] الخطاب الشرعي    

{2و3.} أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات 

2. الفصل الثاني : قصيدة الشاطبية  وفيه عدة مباحث  :  المبحث الأول : أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات    المبحث الثاني : صفاتها ومزاياه...