صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

صفة صلاة النبي{ص}تحقيق الشيخ الألباني

https://alnukhbhtattalak.blogspot.com/ صفة صلاة النبي{ص}

الاثنين، 12 ديسمبر 2022

الكتاب الثاني في صلاة الاستخارة {اتقانها}

 

كيف تتقن صلاة الاستخارة 

ملحوظة { r=عليه الصلاة والسلام}

السلسة الأولــى     : كـــــاشـــف نــــــفـــســـــك  !.. لــمــاذا لا تــــســـتـــخـيـــــــر؟

السلسلة الثانيــة    : كـــاشـــــف نــــــفــســــــك  !.. لـــمــاذا تـستــخــيــر قــلــــيـــــلا ؟!

السلسلة الثالثــة    : كـــــــــــــــــــــــــــيـــــــف تـــــتـقـــن صـــــلاة الاســتـــخــــــــــارة  ؟!

السلسلة الرابعــة   : صــــلاة الاستــــخارة .. وأثرها على صلاح البال وتـطـويـر الـذات والإتـقـان والإبـــداع... !

 

سند بن علي بن أحمد البيضاني 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على أكرم المرسلين وصحبه  ... أما بعد :

لوحظ من خلال الاستقراء أن من الأسباب المهمة التي تعيق كثيرا من المسلمين من الإكثار من الاستخارة صعوبة تمييز قرائن التيسير أو الصرف بعد الاستخارة ، وهنا سوف نحاول توضيح كيفية إتقـانـها.

المســـــــألة الأولى : حـــالات المستخير بعد الاستخارة

 

لم يثبت عن الرسول{ r=عليه الصلاة والسلام} شيء فيما يفعله المستخير بعد الاستخارة ، فجرت العادة أن يعزم المستخير على الأمر الذي استخار الله فيه، قال شيخ الإسلام ((مجموع الفتاوى 25/200)). ((والاستخارة أخذ للنجح من جميع طرقـه ، فإن الله يعلم الخيرة ، فأما أن يشرح صدر الإنسان وييسر الأسباب أو يعسرها ويصرفه عن ذلك)).

وإذا تحقق الأمر بتيسير أو صرف وجــــــــب الرضا والتسليم وما يترتب عنهما وأن يكون قلبه مطمئناً إلى ما اختاره الله له ؛ لأن التوكل يتضمن ذلك ، وإن حصل بعد ذلك ما كان يكرهه ؛ وإلا فلن يستطيع أن يعتقد أو يقول إنه استخار الله وإن الله قد اختار له كذا ؛ لأن ذلك سيكون من التقول على الله بغير علم ولا هدى ، ويجب الانتباه ومراقبة عمل القلب والجوارح إلى ما يتناقض مع الاستخارة من أقوال أو أفعال مثل قوله ((ياليتني لم أفـعل كــذا)) أو يشك في صحة استخارته ، فالشك في صحتها قد يكون جائزاً أو محتملاً قبل انقضاء الأمر ؛ فحينها قد يستحسن له أن يعيدها حتى يطمئن قلبه ، أما الشك بعد انقضاء الأمر فهو من وسواس النفس ونجوى الشيطان ، قال تعالى :] إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [ [المجادلة:10].

والنتائج لا تخلو من إحدى حالات ثلاث:

الحالــــــــــة الأولـــــــــــــى : التيســـــــير :

المثال الأول :

أن تتيسر الأسباب بطريقة مباشرة ويتحقق معه الأمر ، فيلزمه حينئذٍ أن يعتقد اعتقادا جازما أن الله قد اختار له خيراً ويرضى بذلك ، ومثاله رجل استخار في سفر فوجد صديقاً معه سيارة يريد السفر إلى نفس المدينة ، فذهب معه وتحــــقق السفـــــر.

 

 

شبهـة ورد :قد يقول قائل ليس في هذا المثال ما يدل على الإلهام([1]) ؛ لأن التيسير هنا كان واضحاً وقد دل عليه العقل ، وما دل عليه العقل فليس من الإلهام ، باعتبار أن البيان مقرون بالعقل ، والإلهام مقرون بالقلب.

الجـــــــــــواب :

أ- ما الذي يجعله يعتقد بأن الله قد اختار له خيراً بهذا الاختيار غير الإيمان الموجود في القلب ؟ وإلا لما أُعتـبر هذا التيسير دليلاً على شيء.

ب- الإلهام يأتي أيضاً بمعنى البيان والتعريف قال تعـالى: ((فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)) ، فهذا النوع

يشترك فيه الكافر والمؤمن والعقل والقلب ، ولكن جرى العرف على أن يستعمل في إلهام القلوب وفي الخير ، ومع ذلك فإن كثيراً من الناس لا يشعر بأنه من الملك كما لا يشعر بوسواس الشيطان .

ج- ينبغي معرفة الدليل لغة واصطلاحاً ([2]) حتى يسهل التعامل مع المسائل بدقة ووضوح ، فالدليل لغة: هو المرشد إلى المطلوب أكان حسياً كالمرشد إلى بلد معين، أم معنوياً كالأدلة الشرعية، واصطلاحاً: هو الذي يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى علم أو ظن وبناءً عليه يشمل الدليل القطعي وهو المفيد للقطع ويشمل الدليل الظني وهو المفيد للظن.

من خلال ما تقدم يُعرف أن التيسير الذي حصل هو من الأدلة المعنوية ؛ لأن محلها القلب.

د- إذا كان الإلهام لا يستخدم إلا في الأمور التي يدل عليها القلب ؛ لما كان هناك إلهام إيماني؛ لأن المؤمن والكافر يشتركان في الإلهام الفطري والاجتهادي الذي يدل عليه العقل والقلب وحينها سيكون أيضاً ما دل عليه العقل فهو من الإلهام .

المثـــــــــال الثانــــــــــــــــــــــــــــــــــي :

أن تتيسر الأسباب بطريقة غير مباشرة ثم يتحقق الأمر فيلزمه حينئذٍ مثل الأول ، ومثاله : رجل استخار على الاتصال بشخص لمصلحة ينشدها ، فكلما اتّصل فيه لم يجده ، ثم بعد عدة أيام وجده في مكان ما وفتح معه ا لأمر.

إرشاد وتوجيه :

في مثل هذه الحالات لا يدل ذلك على الصرف ما لم يكن قد أصبح معتقداً بأن الله قد صرفه وذلك لعدة احتمالات، أهمها :

 

أ-  قد يكون المستخير حينها ليس بحالة نفسية جيدة تسمح له بطرح مسألته بشكل جيد ، وكان لمرور عدة أيام فائدة في هدوء النفس وغير ذلك .

ب-  قد يكون المتصل فيه خلال تلك الفترة ليس في حالة تسمح له بالتفاعل الإيجابي، ومثل هذه  الأشياء لا يعلمها إلا علام الغيوب فينـزلها بقدر معلوم وبسبب .

ج-  قد يكون الموضوع نفسه لم ينضج  بعد بشكل كامل فكان لمرور عدة أيام فائدة في ذلك .

والأفضل في مثل هذه الأمور أن يستخير على مدة معينة كالأسبوع أو أقل أو أكثر حسب ما يراه مناسباً ، وكلما انتهت المدة التي حددها ؛ يستخير مرة أخرى على مدة معينة إلى أن يحدث الله بعد ذلك أمراً بتيسير أو صرف.

الحالــــــــــة الثانيـــــــــة :الصـــــــــــــــــرف

وفيها مثالان:

المثـــــــــــــــــــــــــــــــــال الأول :

أن تتعسر الأسباب ويتحقق معه الصرف ، فيلزمه حينئذٍ أن يعتقد اعتقادا جازما أنَّ الله قد صرف عنه شراً ويرضى بذلك ويسلم تسليماً ، ومثاله رجل تقدم لوظيفة ولم يُقبل .

المثــــــــال الثانــــــــــــــــــــــــــي :

أن تتيسر الأسباب ثــــــــــــــم تتعسر ، ومثاله رجل تقدم لوظيفة وفيه الشروط المطلوبة ولم يوفق.

تنبيه مهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم :

إذا غلب على الإنسان الميل والرغبة في أمر وشعر من نفسه أنه لن يعطي الاستخارة حقها؛ فالواجــــــــب أن لا يستخير، بل يكثر من الدعـــــــاء أن يحقق له هذا الأمر وأن يوفقه للخير الذي يرضاه الله له وأن يبارك له فيه ، فالله بيده الخير كله ولا يعجزه شيء ؛ لأن المستخير يلزمه التوكل والرضا.

وفي كلا الحالين خير ولكن ثمار المستخير عاجلة وآجله ، فهو موعود بأن يختار الله له خيراً أو يصرف عنه شراً في الدنيا ، أما الداعي فقد يستجاب له في الدنيا ، وقد يؤخر له الإجابة إلى الآخــرة.

الحـــــالة الثالثـــــــة : الشــــــــك والحيـــــــرة

وهي من أهم الحالات وأكثرها شيوعا نظرا لقلة الإتقـان والخبرة وأمور كثيرة يصعب حصرها وذلك بأن تتيسر بعض الأسباب ثـــــــــم تتعسر أو العكس فيصبح بعد ذلك في شك وحيرة ، ومثاله :

استخار رجل لشراء منـزل أو سيارة أو أي شيء كان ، فأعجبه ووجد سعره مناسباً ، ولكن وجد فيه

 

عيباً أو بعض العيوب ، فأصبح في شك أو حيرة من أمره لا يدري أين التيسير من الصرف ولا يدري أيُقْـدم أم يحجــــــــــم؟!.

الحـــــــــل :  في مثل هذه الحالات: ينبغي الانتباه إلى  قرائن التيسير والصرف - وسيأتي ذكرها- والتعامل معها بعين البصيرة لا بهوى الطبع إلى أن يظهر له الأمر بتيسير أو صرف .

 

المســـــــــألة الثانيـــــــــــــة : صعوبـــــة التمييــــــــــــز

 

من خلال التتبع والاستقراء وجدت أن أصعب مشكلة تواجه معظم الناس في الاستخارة صعوبة تمييز التيسير من التعسير فيصبح بعدها في شك وتردد وتتحول من طلب للخيرة إلى وقوع في الحيرة وهذا عامل قوي في تركها أو عدم الإكثار منها ، وهناك عنـصران مـهمان فيها ينبغي الإشارة إليهما لأنهما

يساعدان على وضوح الرؤية وعدم التعجل ، فالعلم بالتعلم والخبرة بالتجربة والإتقان بالاجتهاد.

الأول : نوعيــــــــــة المسألــــة :

الناس في الاستخارة على أحوال فمنهم من يستخير في الأمــــــــــور:

أ-      كلهــــا أو معظمها حقيرها وجليلها وبقية الأمور التالية .

ب-   المهمــة : وتمتاز عادة بخيار واحـد.

ج-     الصعبــة : وتمتاز عادة بأكثر من خيار .

د-     المقلقــة : وعادة ما تكون مهمة وصعبة .

هـ-  المحيرة : وعادة ما تكون مهمة وصعبة ومقلقة ودقيقة.

 

وهذه الأمور مشتركة في عدة أشيــــــــــاء  :

أ- فهي تشمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرهــــا .

ب- فيها ما هو معقد أو دقيق أو متوسط الوضوح أو واضح وقد تكون صعوبة التمييز أو سهولته تبعاً لــــــــذلك .

ج- ليس ما هو صعب أو مهم أو مقلق أو محير عند مستخير يكون كذلك عند آخر ؛ لأن هناك عوامل أخرى تؤثر في ذلك كالنية الصادقة ودرجة التصديق والتوكل والخبرة.

 

 

الثانـــــــــي: نوعيــــــة المستخيــر:

أ- هــــــــــــل أنـــــــــت مــــــــــن المكثريـــــن ؟

إذا كان يستخير في الأمور كلها أو معظمها فلا شك سيكون مكثراً منها ؛ لأنه قد ذاق حلاوتهاـ فمن ذاق عرف ـ وأصبح قلبه معلقاً بها فلا يطمئن قلبه في أمر إلا بعد أن يستخير ، وهذا النوع يكون عادة أكثر خبرة وإتقاناً ونادراً ما يحدث له صعوبة في أمر ما .

ب- هــــــــــل أنــــــــــت مــــــــن المقليــــــــن ؟

إذا كان يستخير في الأمور المهمة والصعبة والمحيرة والمقلقة فسيكون مقلاً منها ؛ لأن هذه الأمور تقابل الإنسان نادراً أو قليلاً وفي هذه الحالة سيجتمع أمران :

الأول : انشغال البال ؛ لأن هذه الأمور عادة ما تكون ذات بال لدى المستخير.

الثاني : قلة الخبرة نتيجة لقلة الاستخارة وما ينتج عن ذلك .

فلهذا من الطبيعي أن يكونا سببين في صعوبة التمييز ولكنهما سرعان ما يزولان بالدعاء والاستغفار

والاجتهاد ، وأحسن طريقة – في نظري – لإتقانها ؛ أن يبدأ من الأسهل إلى الصعب ثم الأصعب ؛ لأن

الإيمان يزيد بالطاعة ، واليقين يزيد بالمشاهدة - أي مشاهدة ثمارها- ، فإذا حصل ذلك زاد الإيمان عند العبد إجـمالاً ثم سيزداد مع كل استخاره يستخيرها إلى أن يصبح يرى القرائن - صرفاً أو تيسيراً- بنور الله ، وهذا كله من ثمــــــــار الاجتهاد.

أي أن يبدأ من الأمور التي يراها ثانوية والتي لا تشغل البال حتى لا يحصل له تشويش في وضوح قرائن التمييز أو تلبيس من إبليس بأنه يهوى هذا الفعل أو ذاك ؛ فكلما كان المستخير مجرداً في استخارته كان أقرب إلى تمييز القرائن بسهولة وأبعد من تلبيس إبليس، وإن حصل تلبيس فسرعان ما يكشفه ويصحح مساره ومن الله التوفيق .

صعوبة التمييز وعلاقته بضعف الإيمان وتكرار الاستخارة

 

الأصل في صعوبة التمييز، قلة الخبرة نتيجة لقلة الاستخارة ، مثل صعوبة تجويد القرآن لغير المتقن له ، ولكن ضعف الإيمان قد يؤثر في سرعة فهم قرائن التيسير أو الصرف ولكنه لا يمنع من وصول الحق عند طلبه، فمن استخار فقد طلب الخيرة - الحق-قال تعالى : ]وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [ [القصص : 51]. ] وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [ [البقرة : 282] ] وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ [ [ الأنفال : 23 ].

 

وقال شيخ الإسلام : (( الفتاوى الكبرى 3/306))((الجواب الصحيح /6/494)).((فقد يتفطن أحد المـجتهدين لدلالة لو لحظها الآخر لأفادته اليقين لكنها لم تخطر بباله، فإذاً عدم وصول العلم بالحقيقة إلى المجتهد ؛ تارة يكون من جهة عـدم البلاغ وتارة يكون من جهة عدم الفهم وكل من هذين قد يكون لعجز وقد يكون لمشقة فيفوت شرط الإدراك وقد يكون لشاغل أو مانع فينافي الإدراك)).ولو كانت صلاة الاستخارة لا تقبل أو تمييز الخيرة لا تتضح إلا مع قوة الإيمان؛ للزم أن تكون خاصة لصفوة المسلمين وهذا لا يقوله أحد ، بل هي من أحسن الأعمال التي تقوي التوكل ، والله يحب المتوكلين .

2-  مع وجود ضعف الإيمان فقد يحصل لسبب ما حســن توكل في الأمر المستخار فيه ؛مما يزيده إيماناً عاماً وخاصاً([3])، فيؤدي ذلك إلى تيسير تمييز الخيرة.

3-  تكرار الاستخارة في نفس الأمر يــدل على عدم وضوح الخيرة وإن حصل أحياناً فلا بأس به ، فنوعية المسألة لها أثر في انشغال البال وفي عدم وضوح الرؤية بسهولة ، ولأن من السلف من فعل ذلك وقد تقدم أن عمر t استخار شهراً في ميراث الجد والكلالة.

ولكن التكرار في معظم الأمور يدل على قلة الخبرة ، والأَوْلـى له في هذه الحالة أن يسأل من هو متقن لها أو يشاور من يثق بعلمه ودينه ، إلى أن يجلي الله له أحد الأمرين ؛ وذلك لأن القرائن قد تكون ظهرت ولكنه لم يفهمها وقد تقدم كلام شيخ الإسلام في ذلك فراجعه .

وكذلك قد يحصل أن يعيد المستخير الاستخارة مرتين أو أكثر ثم تظهر له الخيرة ، فهذه من رحمة الله الواسعة على عباده ؛ لأن الاستخارة فيها دعاء أو قد يحصل مع التكرار زيادة في عمل القلب أكثر من المرة السابقة فيفتح الله عليه، ولكن مع كل ذلك يبقى الأصل أصلاً ولكل عمل دلالة.

 

 

 

 

 

 

المســألة الثالثــة :القرائن الدالــــة على التيسير والصــرف

إذا كان لكل شيء سبب ؛ فلا بد لتمييز التيسير أو الصرف في بعض أو كثير  من الأحيان من قرينة أو عدة قرائن يصبح المستخير بعدها يعتقد أن الله قد اختار له هذا الأمر أو صرفه عنه ، وهناك عدة قرائن قد تتداخل في بعضها البعض وقد يحصل لها تقديم أو تأخير - ولله الحكمة البالغة-، وهي عادة تتكرر في معظم أنواع الاستخارة ، وسوف يتم ذكر أشهرها وأهمها على سبيل المثال لا الحصر ، ومن الله التوفيق .

أولاً: قرائــــــــن التيســـــــــير:

1-انشراح الصدر:

أ- دلّ حديث البرِّ على أنّ الإلهام تسكن إليه النفس ويطمئن له القلب ؛ لهذا فانشراح الصدر يعد من القرائن القوية وخصوصاً إذا كان مصحوباً بنشاط الهمة لتحقيق الأمر المستخار فيه ، وكل ذلك بشرط أن لا يكون مصحـــــوباً بهوى قوي قبل الاستخارة .

ب- الانشراح البسيط قبل الاستخارة لا يؤثر على صحة الاستخارة ، فالإنسان مفطور على الميل إلى العاجلة، ولكن إخلاص النية وحسن الاعتقاد والتوكل وما يترتب عن ذلك من ثمار كفيل بأن يجعل المستخير بعد الاستخارة أكثر تجرداً مما يساعده على تمييز  قرائن التيسير أو الصرف ، وقد انتبه الحافظ ابن حجر لذلك فقـال : ((والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد ولا حول ولا قوة إلا بالله)) ((الفتح:11/187)). كما أن التجربة وواقع الناس يشهدان لذلك.

ج- إذا حصل انشراح مخالف لعادة المستخير أو طباعه أو أخلاقه ، كان ذلك قرينة قوية على التيسير ومثاله رجل لا يحب الرحلات فاستخار في ذلك فانشرح صــــدره.

د- لايلزم أن يحصل انشراح في كل استخارة ؛ لأنه قرينة كبقية القرائن ، فقد ينقضي الأمر دون أن يشعر به.

2- علو الهمة :

يساعد على تخفيف التعب والنصب ويهون الشدائد في طلب الرضوان ولابد أن يقترن بقول أو فعل ، وتكون قرينة قوية إذا كانت مصروفة قبل الاستخارة أو مخالفة لطباع المستخير وعاداته.

3-التذكّر والتكرار وعدم النسيان:

قد يستخير العبد في أمر ثم ينسى أو يُنسّـى لأي سبب كان ، ثم يتذكره ، وقد يرافق ذلك علو في

 

الهمة ووضوح في الرؤية ، فإذا حصل فهذه قرائن قوية تفيد التيسير ، وتكون في الغالب لها علاقة

بنضوج المسألة ؛ فلو أنه لم ينسَ ومضى في تحقيق الأمر لكان شراً له ، ولكن المولى I هو الذي يصرّف الكون ، فصرفه عن الأمر بشكل مؤقت إلى أن تنضج مسألتـــه.

وقد يقول سائل : أما كان الله ليقدر أن ييـسّر مسألته قبل أن تنضج ؟ فالجواب باختصار ينبغي فهم

حكمة الباري والتسليم بـها ، ولله سنن ولن تجد لسنته تبديلاً أو تحويلاً.

وقد يستخير العبد في أمر وكلما بدأ يظن أنه مصروف عنه ، لاحظ أن الأمر لا زال يتكرر ويتردد عليه ؛ وهكذا . وهذه قد تكثر في المسائل التي يصعب فيها تمييز الأسباب لدقتها، وقد لمست من خلال التجربة أن الاستخارة من الوسائل المفيدة في عدم النسيان ومحل ذلك في التيسير ؛ وإن حصل العكس -النسيان- فهو مفيد أيضاً لمنع انشغال البال، لأن صلاح البال من أعظم الثمار  التي يمكن أن يحصل عليها المستخير.

4-نضوج الأمر:

هناك أمور لا تنضج إلا مع مرور الوقت ؛ ولهذا يقول الأصوليون : ((من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه)) فلله الحكمة البالغة في تقدير الأمور وتنـزيلها ، وسوف أذكر قصة من الواقع.

مسئولة تربوية خيَّـرت مدرسة – بقرار ظالم – بين أمرين أحلاهما مر ، وسيكون ذلك مع بدء العام الدراسي الجديد ، فسعـى أحد أقاربـها ليشفع لـها في إيقاف هذا القرار قبل إصداره واستخار على صديق يعرفه فكان كلما يجده يحصل صارف فلا يـفتح الموضوع معه وسلم أمره لله.

ثم مع بدء العام الدراسي الجديد تم إصدار قرار التحويل ، فاستخار مرة أخرى على نفس الصديق ففتح معه الموضوع فتم إلغــاء هذا القرار الظالم بتعليمات من مسئول أعلى والله أعلى وأجلّ وفي هذه القصة عظة وذكرى على شكل سؤال لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، من إله غير الله يعلم الغيب ويدبر الكون ويصرف الآيات وينـزل كل شيء بقدر معلوم ؟

5- الفراغ بعد انشغال :

يساعد في صفاء الذهن والقلب ، فإذا كان من عـادة المستخير أن يكون منشغلاً ، ثم بعد الاستخارة وجد وقتاً يسمح له بالسعي لتحقيق ما استخار الله فيه ؛ فلا يهمله بل يربطه بقرائن التيسير.

6- ظهور تيسيرات أخرى :

قد تحصل تيسيرات أخرى غير التي تم ذكرها ، وهذا مما يتفاوت فيه الناس ولكن يبقى الضابط فيما يعتقده المستخــير .

 

ثانيـــــــاً: قرائـــــــن الصــــــرف :

كثيرة هي الأشياء التي تتضح بالأضداد ؛ وقرائن الصرف عكس قرائن التيسير فلا حاجة إلى الإطالة والتكرار . ويمكن إضافة قرينة أخرى وهي:

ظهور أفكار جديدة :

إذا استخار العبد في أمر ثم ظهرت له فكرة أو أفكار جديدة لها علاقة بالأمر الذي استخار فيه  فيجب عدم إهـمالها؛ لأنها من  لـوازم  الاستخارة الأولى وقد تكون سبباً في الصرف مثل وجود البديل ، أو قد تكون سبباً في نضوج المسألة نفسها .

 

تنـــــــبيه مهـــــم([4])

ينبغي التعامل مع قرائن التيسير أو الصرف دون إفراط أو تفريط؛ فلا يهملها فيفوته ما فيها من تفهيم للإقدام أو الإحجام ولا يبالغ فيها فيصبح في همٍّ وحيرة في دُوَّامة الترجيحات ، وليعلم أنّ الاستخارة مبنية على التوكل وفهم الإجابة مبني على الإلهام.

ثالثـــــــــاً: أسباب عامـــة وهامـــة:

ويُقصد بها تلك الأسباب التي تساعد على تمييز أسباب وقرائن التيسير أو الصرف ، وأهمها:

1- الدعاء :

هو العبادة وهو مفتاح لكل خير ، وفي الحديث الصحيح وأعجز الناس من عجز عن الدعاء([5]) فلهذا لا تعجب إن قال عمر t :((إني لا أحمل همّ الإجابة وإنما أحمل همّ الدعاء فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه))([6]). ومن أسباب الإجابة اضطرار الداعي وصدق التجائه إلى المولى سبحانه وتعالى.

2- الاستغفار والاجتهاد والصبر على انتظار الوعد :

لو اجتهد العبد مهما اجتهد فلن يستطيع أن يؤدي الحق الذي أوجبه الله عليه ، فلهذا شرع الاستغفار ؛ لأن فيه تطهير للذنوب والله يحب المتطهرين ، فكلما استغفر من الذنوب زادت البصيرة .قال شيخ الإسلام : ((إذا اجتهد العبد واستعان بالله ولازم الاستغفار والاجتهاد فـــــلابد أن يؤتيه الله

 

 

من فضله ما لم يخطر ببال)) وقال : ((قاعدة في المحبة 1/148)) ((لابد مع انتظار الوعد من الصبر ، فبالاستغفار تتم الطاعة وبالصبر يتم اليقين بالوعد)). ((مجموع الفتاوى 11/390)).

وذكر الإمام الذهبي حال شيخ الإسلام مع المسائل المشكلة ونحوها فقال : ((ولقد سـمعتـه في مبادئ أمره يقول إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تشكل ، فاستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر وينحل إشكال ما أشكل وقال وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو  الدرب أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي)) ((العقود الدرية 1/22)).

3- المشاورة :

بالمشاورة تنقح الأفكار وتحسن الاختيار وتتضح الرؤية ويتم معرفة الخطأ من الصواب وفيها تنبيه للغافل وتذكير للناسي وتأليف للقلوب وأن تحصل بالمـجان على ما وصل إليه غيرك بالغالي والنفيس وغيرها من الفوائد الكثيرة.

وتكون المشاورة قبل العزم والتبين ،ومن عزم فليتوكل على الله ويثق به لا على المشاورة ، قال تعالى: ] وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [  [آل عمران:159] ، وقال عليt: (المشاورة حصن من الندامة وأمن من الملامة)) وتكـون المشاورة لمن جمع العلم والأمانة ([7]) .

4- السؤال :

تعبّد الله هذه الأمة بالاتباع على بصيرة فقال :] قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ   [ [يوسف:108] ، فهناك علاقة متلازمة بين عدم الاتباع على بصيرة والشرك ، قال تعالى : ] وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُون َ[ [يوسف:106].

والإتباع على بصيرة يكون بالتعلم أو السؤال ، قال تعالى: ] فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ [  [الأنبياء:7] ، وقال r: ((شفاء العي السؤال))([8]). والمقصود بالعِي هنا الجهل.

 

والسؤال هو اجتهاد العامة قال شيخ الإسلام ((قاعدة في المحبة 1/132)).:((وما اشتبه على الإنسان حاله ؛ سلك فيه مسلك الاجتهاد بحسب قدرته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، واجتهاد

 

العامة هو طلبهم للعلم من العلماء بالسؤال والاستفتاء بحسب إمكانهم)) ، ومن خلال التجربة تكاد المشاورة والسؤال من أهميتهما وثمرتـهما أن يكونا من لوازم الاستخارة لمن أراد التسديد  .

5- معرفة طباع النفس وأخلاقها:

كلما عرف الإنسان طباعه وأخلاقه ساعده ذلك على تمييز لمة الملك من لمة الشيطان ، وخير معين على ذلك الجلوس مع النفس ومكاشفتها ـ راجع أصول المكاشفة ـ  بما تحب وتكره وما هو موقفه من كل شيء يحيط به ؟ وما هو هدفه في هذه الحياة ؟ وكلما كانت قرائن  التيسير أو الصرف مخالفة للطباع ، كان أقرب إلى الصواب ؛ لأن الشيطان عادة ما يأتي من حيث يحب الإنسان فعله أو تركه.

 

وفي الختام رغبة وحرصاً  على إثراء هذه المسألة ، فأرجو من كل مسلم يهمه أمرها ؛ أن لا يبخل بالملاحظات والمقترحات والتجارب ونحو ذلك ، التي قد يرى أنها تفيد في إتقانها؛وذلك البريد أدناه .

البريد الإلكتروني :

SANAD_ALBEDANI@YAHOO.CO.UK

حيطة ودعوة:

أخي المسلم : إذا كنت تشعر بأنك لن تحتاج إليها في يوم من الأيام فلا تحتفظ بها، بـــل تصدق بها لآخر لعل الله ينفعـك وينفعه بها ، فالدال على الخير كفاعله .

 

ولا تــــنســــــــــوا إخوانكم من صالح الدعـــــــــــــــــاء

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


[1] )    راجع المبحث الأول من الكتاب (  الاستخارة وحي هذه الأمة)

([2] ) إتحاف ذوي البصائر بشرح روضه الناظر (م1 /84) (2/144).

([3] ) أي يزداد يقيناً بأن الله سيختار له خيراً أو سيصرف عنه شراً في الأمر الذي استخاره فيه.

([4] ) جزى الله خيراً فضيلة الشيخ محمد الصادق الذي انتبه إلى هذه الجزئية، فالعوام عادة ما يبالغون في الأمور إفراطاً أو تفريطاً.

([5]) أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد 1/359)) وأبو يعلى في مسنده ، وصححه الألبـاني في صحيح الجـامع ((1044)) والسلسلة الصحيحة ((601)) ولمزيد من الفائدة انظر ((فرائد الفوائد 1/8/ باب من هو أعجز الناس؟))

([6] ) ((مجموع الفتاوى 8/193)) ((اقتضاء الصراط المستقيم /1/359)).

([7] ) كتاب ((الأم /7/95)) للإمام الشافعي.

([8] ) حديث صحيح : أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك ، وصححه الألباني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

{2و3.} أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات 

2. الفصل الثاني : قصيدة الشاطبية  وفيه عدة مباحث  :  المبحث الأول : أهمية قصيدة الشاطبية في علم القراءات    المبحث الثاني : صفاتها ومزاياه...